الأوطان تنهض بهمَّة الأوفياء

 

حميد بن مسلم السعيدي

عُمان هي تلك الأرض الخالدة، التي تمثلت روحاً ألهمت الإنسان الحبَّ والحياة، وغرست في قلبه الانتماء والولاء، وهيَّجت مشاعره حبًّا ووفاءً، لتربتها الطاهرة بالأمن والسلام، هي عُمان.. ذاك الاسم الخالد الذي تعمَّق في التاريخ، عابراً للعصور، وناقشاً لحضارات بشرية كانت تمثل كياناً عظيماً لقوة تمكنت من فرض هيمنتها وسلطتها في نشر السلام والدفاع عن المستضعفين، قُوَامُها وقوتُها المواطنون المخلصون الذين لم يدَّخرُوا أرواحهَم إلا في سبيل تربتها؛ فقد كافحوا ورحلوا وتركوا هذه الأرض تتحدث عن إنجازاتهم العظيمة؛ فالوفاء لا يموت، يبقى خالداً في نفوس الملخصين، صامداً أمام متغيرات العصر وطغيان المادة.

كان رجال عُمان عند الوعد في صناعة مجدها؛ كمثال ناصر بن مرشد، وأحمد بن سعيد، وسعيد بن سلطان... وغيرهم الكثير مِمَّن ضحوا بحياتهم من أجل اسم عمان، والمغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد، قدمواً درساً عظيماً تتعلم منه الأجيال معنى الوفاء للوطن، والتمسُّك بالقسم بالله والوطن والسلطان؛ لذا تخطُو عُمان نحو كتابة تاريخها وبناء مستقبلها، عابرة كل الأمواج والأعاصير والصراعات، لترسو في مراسي الدول المتقدمة، فالطريق لن يكون معبداً وإنما بالتحدي والكفاح تستمر مسيرة البناء بمجاديف المواطنين المخلصين، حيث تسمو بالتضحيات العظيمة من أجل أن تظل شامخة كشموخ ذلك العلم الذي يمثل لنا رمزَ الوحدة والعزة والنصر والأمل؛ حيث تُشرق شمس عمان ونحن نؤدِّي القسم بأنْ نكون أوفياء لأجل هذا الوطن الذي ينبغي أن يكون عالياً.

فالإيمان بالله، والذود عن الوطن، هو القسم الذي ينبض على جبين كل المواطنين الأوفياء، الذي يقدرون قيمة ومعنى عمان في قلوبهم، ويجعلونها رسالة وطنية يسعون لرفعة مكانتها بين الأمم، فعندما تكون التضحيات والأعمال من أجل عمان، فإننا نكون وفاء لذلك العهد الذي نقدمه لهذا الوطن، فلا يمكن لأي وطن أن تكون له المكانة بين الأمم إذا لم يعمل أبناؤه على بنائه وتطويره، والاجتهاد من أجل قيادته نحو صدارة الدول المتقدمة؛ لذا تهتم الدول ببناء الإنسان ورعايته، وتوفير كل الاحتياجات الأساسية له من تعليم ورعاية صحية، وبيئة أمانة من أجل أن يكون مواطنًا فاعلاً وقادراً على العمل، ورد الجميل والعمل من أجل تحقيق تلك الرؤى والأهداف الوطنية، حينها تجني الدول ثمارَ ذلك الاهتمام والإنفاق المالي في قوى بشرية تستطيع الأخذ بالنهج العلمي في صناعة الإنتاج، وتحويل الموارد إلى صناعات متنوعة، ترتقي سُلم التنافسية الاقتصادية بين الدول، هذا النهج هو الأسلوب الناجع نحو تحقيق الأهداف والغايات الوطنية بالاعتماد على القدرات والقوى البشرية الوطنية.

واليوم.. عُمان تفتخر برجالها الأوفياء الذين أنفقت في إعدادهم الميزانيات المالية الضخمة في سبيل تعليمهم وتأهيلهم في أكبر الجامعات، وتطوير قدراتهم بصورة مستمرة حتى يصبحوا خبراء وعلماء وأطباء ومهندسين على مستوى عالٍ من الإعداد والتدريب والتطوير، كلُّ ذلك من أجل أن تتقدم عُمان على المستوى العالمي وتُصبح دولة لها قيمتها ومكانتها بين الأمم. ومن المؤسف حقاً أن يذهب ذلك لدول أخرى بعد أن اكتمل البناء، وأصبح المواطن قادرا على العطاء، والوطن كان ينتظر الثمار، بعد تأهيله في مؤسسات أكاديمية عالمية من أجل أن يعود لوطنه ويسعى لتقديم تلك الخبرة في معالجة العديد من التحديات والإشكاليات الوطنية، ويسعى للمساهمة في الدور الوطني، إلا أنه يلوذ بالفرار عن وطنه، ويتخلى عنه في الوقت الذي كان يحتاج إليه فيه، ويبيعه مقابل حفنة من المال، ليس هذا فحسب بل ينسلخ من وطنيته وهويته، ويتلبس بهوية أخرى ولسان حاله يقول أنا مواطن لدولة أخرى، يصيغ المبررات ويريد أن يقنعهم بوطنيته الجديدة، وكأن المواطنة تتجدد أو أنها سلعة تستبدل تباع وتشترى بالأسواق، حينها يريد الهاربون أن يكونوا مواطنين، وواقع حالهم هم مرتزقة لا وطن لهم إلا من يدفع المال الأكثر، مُرتحلين من أرض إلى أخرى، لا ثقة في وعودهم ولا عهودهم، ولا في هتافهم الوطني! كيف لا وهم يتزيَّنون من هُوية إلى أخرى، ومن وطن إلى أخر؛ اعتقاداً منهم أنهم قادرون على إقناع الآخرين بمواطنيتهم الجديدة عندما يتلبَّسون بهُوية ذلك البلد، والواقع أنهم ينظرون إليهم من أعلى إلى أدنى، فمن خان وطنه الأول لن يوفِّي حق الدولة الأخرى، فلا وجود لإنسان حقق ذاته دون أن يكون للوطن دور في تعليمه ورعايته وبناء قدراته؛ لذا عندما يكون الغرور هو عنوان ذلك تُصبح الخيانة مبدأ لديهم.

فالوطن هو عِزَّة المواطن وشهامتُه، ولا قيمة للإنسان إذا لم يكن له وطن؛ لذا نفتخر بانتمائنا لهذا الوطن العظيم، فعُمان أغلى ما نملك، فلا تبيعوه بثمن بخس، فأعظم خسارة يتعرَّض لها المواطن عندما يفقد وطنه ويصبح بلا وطن، ولا هُوية، إلا هُويَّة الغرور والتمرد والنكران؛ فهذا الوطن لا يستحق أن نلوذ عنه بالفرار مقابل حفنة من المال، لا تجعلوا المادة غايته لكم، كونوا الوفاء والعهد لهذه الأرض؛ من أجل أن تستمر عملية البناء والتعمير؛ فالأوطان لا تنهض إلا برجالها الأوفياء.