الخليج المأزوم

ناجي بن جمعة البلوشي

nbalushi@alnaaji.com

2020 حمل الكثير من الأزمات لدول الخليج العربية، فقبل أن يبدأ هذا العام كانت هناك تحضيرات على مستويات عدة في شأن ما يخص كل دولة من هذه الدول وما يعنى باستضافتها لحدث محلي أو عالمي يلفت أنظار العالم إليها وإلى الدول الست المنتمية إلى المجلس الخليجي، فعادة وصول مثل هذه الأحداث إلى هذه الدول يحتاج الكثير من الجهد والزمن ليعاود الكرة إليها ثانية.

مطلع هذا العام سلطنتنا الحبيبة تفقد أعزَّ الرجال وأنقاهم والذي كان سيكمل الخمسين سنة على توليه مقاليد الحكم وكنَّا على أكبر قدر من الاستعداد لنحتفل بهذا الحدث المبهج لباني نهضة عُمان ومُؤسس طريقها الحضاري الحديث، لكن إيماننا بمشيئة الله وقضائه يدفعنا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، لكن الله أكرمنا بتولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- لمقاليد الحكم، ليكون خير خلف لخير سلف.

كذلك المملكة العربية السعودية كانت على موعد ترؤس مجموعة العشرين وهي مجموعة تضم أكبر دول العالم اقتصاديًا، هذه المنظمة تجتمع في الدولة الرئيس فيتوافد كل رؤسائها للاجتماع المعتاد في الدولة المضيفة لكن ماحدث هو أنه لم ينزل إلى أراضيها أي رئيس دولة من أعضاء تلك المجموعة للاجتماع هذا العام وهذا ليس لأن بها شيء من سوء الأحوال السياسية والاستقرار، بل لأن موعد استضافتها لهذه الدورة الاعتيادية جاء في العام 2020.

دولة الإمارات العربية المتحدة كانت تجهز لأكبر تجمع إنساني سياحي ثقافي معرفي في العالم إنه معرض إكسبو 2020 الذي تمَّ تأجيل تاريخ افتتاحه إلى أكتوبر 2021 بسبب تفشي جائحة كورونا.

وكذلك تجهيز البنية التحتية السياحية والرياضية لملايين الزوار في دولة قطر لحدثها الكبير تحضيرا مناسبا ومشرفا يليق بمستوى المنطقة وما فيها من حضارة ورقي مع ذلك الحدث الكروي العالمي بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 وما به من توافد إنساني سياحي كبير، هذا التجهيز قد لا يتساوى مع العوائد المُتوقعة والمرجوة.

وإذا كنَّا نتساءل عن ما يعنيه نزول رؤساء الدول العشرين بأرض السعودية وما الفرق إذا لم ينزلوا إلى أرض الدولة المضيفة؟ أو ما يعنيه إعلان تأجيل معرض إكسبو عن موعده وما الاختلاف بين إقامته في موعده أو تأجيله؟ أو هل تتأثر دولة قطر ودول الخليج العربية من أحداث بطولة كأس العالم؟

مثل هذه الأسئلة تدور في أذهان كل واحد منِّا وسنضع هنا جوابا بعيدا عن التفاصيل الدقيقة لكنه سيفي بغرض الإقناع للسائل فنقول إن وجود عشرين رئيساً للدول الاقتصادية الكبرى في أرض دولة واحدة يعني وجود أمن مطلق في هذه الدولة والمنطقة مع وجود بنية تحتية مكتملة ووجود تحضر إنساني عصري، ووجود مرافق سياحية لائقة بالنزلاء ومرافقيهم. ووجود خدمات عالية المستوى ووجود التقنيات الحديثة المتطورة التي تجاري العصر في معرض إكسبو؛ فتوافد ملايين الناس إلى دولة واحدة خلال ستة أشهر يعني أن بها الكثير من التجهيز والاستعداد لاستقبال الزائرين بأطيافهم ولغاتهم وثقافاتهم وطقوسهم ودياناتهم.. إلخ.

هذا الاستعداد لا يختلف عما في قطر لاستضافة وفود دول عالمية ورحلات دولية من كل قارات العالم يكون فيها عنصر الشباب الأكثر توافدا ليأخذوا معهم انطباعا جيدا يستحق العودة من جديد لهذه الدولة أو المنطقة، هذه الأحداث ستفيد الدول المستضيفة والمنطقة الخليجية من نواحٍ عدة منها لفت الأنظار عالميا إليها وحركة الطيران والحجوزات الفندقية والحركة الاقتصادية والتعريف بهذه الدول عن طريق التغطية الإعلامية والحصول على تصنيفات إيجابية وطمس الكذب والافتراء عليها وإبعاد شبهات الجهل والتخلف عنها ورفع أسمائها من قوائم سوداء تعنى بتقارير منظمات عالمية ووضع أسمائها في تصنيفات ائتمانية مستقرة سياسيًا وأمنيًا ليساهم في جذب الاستثمارت الدولية وغيرها من الفوائد الحقيقية التي تجنيها دول المنطقة.

لكن الواقع يُثبت غير ذلك وأن التوافد الإنساني على هذه الأحداث سيكون مغايرا عن ما هو متوقع لما سببته الجائحة من تعقد نفسي إنساني وتحول جذري في استخدام التقنية والأجهزة المرئية لدى الكثيرين مما قد يجعل كل واحد منهم متخذًا لقرار الابتعاد عن التزاحم أو السفر أو النزول في الفنادق أو السياحة أو الاستفادة من المرافق العامة واكتفاءه باستخدام التقنيات الحديثة في متابعة هذين الحدثين كما فعل من قبل رؤساء الدول العشرين في اجتماعهم عبر أجهزة الدوائر التلفزيونية المغلقة.

وإذا كانت دول الخليج العربية حلمت بإظهار ما معها من حضارة ورقي وتقدم في هذه الأحداث العالمية لتبين ما هو موجود بها ويطابق ما في دول العالم المتحضر، فإن هذا الحلم لم يكتمل وسيبقى العرب بمسماهم هذا الذي ملئت به مسامع دول الشرق والغرب ما لم يغير أهل الخليج أنفسهم فقد قال تعالى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)  الرعد: 11.