الجنون الأبيض في اليوم الأسود

 

عائض الأحمد

 

باع كل شيء ثم عاد ولم يجد شيئًا، فباع نفسه ثم بحث هنا وهناك فلم يجد ما يستحق، فباع ما لا يملكه، وحينما سألته: ماذا بقي لك؟

رد مبتسمًا: أنت.

نحن الثوابت والبقية متحركون بعضًا من كل لديه، هذه الحالة الفريدة التي تستحق أن تدرس من علماء النفس والاجتماع ولم لا؟! فأنت تشاهدها كثيرًا وكأن ما يحدث للإنسان في أقصى الغرب ليس ببعيد عمَّا يحدث في شرقها، فنحن هنا صفوة الصفوة وهم هناك الصفوة كاملة بعينها لا ينازعهم فيها أبيض في الشرق أو أصفر في أقصاه أو أسود بينهما.

وما بين هذه وتلك تظهر حماقة الإنسان وسوء تصرفه مهما بلغت به المدنية وشعاراتها الزائفة ومردديها من أصدقاء ومحبي ديمقراطية الأقوياء، وتعسًا للفقراء ومختلفي الألوان؛ فمتى عدتم عدنا وليس ذلك ببعيد.

من كان يظن يومًا بأن يشاهد هذه الأحداث المؤلمة التي كنَّا نتندر عليها في البرامج الوثائقية وفي أفلام الستينيات الميلادية "صراع اللون وغباء الإنسان ضد أخيه"، من أجل ماذا؟ اختلاف لون بشرته، أو مُعتقده، أو ميوله السياسية.

الكثيرون أمثالي لم يكونوا ليراهنوا على مشاهدتها وكأنَّه حلم ليل في شتاء قارس تحت سماء ممطرة بصدر عارٍ لا يحجبه عن الأعين شيء.

خابت وخسرت هالتهم الإعلامية أمام تصرفات بعض الحمقى المُتعجرفين ممن خلت قلوبهم من أدنى المشاعر الإنسانية.

وكأنك تراهم من بعيد يلملمون ما بقي من كرامتهم ويستعطفون العالم: لسنا كما ترون أو تظنون. نحن الرأي، نحن العقل والمنطق، نحن الشيء ونقيضه، نحن العالم والعالم نحن.

وكما يُقال: المصائب لا تأتي فرادى، وهذا ما يحدث صوتًا وصورة، وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع.

لم يكن حتى الحيوان يعتقد بأنَّ يد الحقوق الزائفة ستطاله وما تناقلته وسائل إعلامهم صدم حيوانات الغرب قبل الشرق.

هل سنرى مثل هذه الأحداث مستقبلًا لتقول لنا: عليكم أن تحسنوا تقدير من حولكم، وتضعوا لكل من يستحق قدرًا ومنزلة

لا يتخطاها؛ فنحن مع تتابع الأحداث سبقنا الكثيرين منهم في العديد من المجالات هذا غير ما نتمتع به من صفات إنسانية ليس من بينها احتقار لون بشرتك، وهذا في أدناه وحدوده الآدمية، التي لم نعد نشاهدها في ديمقراطية لا أسمعكم إلا ما أرى.

سيبقى الإنسان مهما بلغ من العلم ابن بيئته؛ لا يستطيع التحرر من أفكار جاهليته التي يحن إليها دون شعور منه فتأتيه بهيئة فعل أحمق لن يدرك عواقبه إلا بعد وقوعه ثم يفيق متسائلًا: ما هذا؟

وأي عمل أقوم به ولعل عقله الباطن يتحكم في تصرفاته الظاهرة ليس إلا إثباتا يحمله في قراره الداخلي وينتظر فقط تلك اللحظات للتعبير عنه قولًا أو عملًا، مهما بلغ من حكمة أو تعقل، مرددًا: "أنا ابن بيئتي فاحكموا بأيِّ ديمقراطية تشاؤون".

 

ومضة:

لن تنجو بفعلتك! فاصمت لترتيب الأوراق، وترقب العودة.

يقول الأحمد:

لن تجد مني حبًّا أبدًا، ولكن أكن لك كل الاحترام ليس من أجلك بل حبًّا لذاتي.