أَوقِفوا تجار الإقامات!

فايزة الكلبانية

faiza@otf.om

"تجارة الإقامات".. تعني جلب أو استقدام أصحاب الأعمال لعمالة وافدة من جنسيات مختلفة تحت كفالتهم، وغالبًا ما تكون متطابقة مع القوانين والضوابط المعمول بها، لكن يكون استقدام هذه العمالة الوافدة نظيرَ مبالغ مالية يتمُّ الاتفاق بشأنها بين أصحاب الأعمال والعامل المستقدم، طبعًا بدون علم الجهات المختصة بموجب هذا الاتفاق السري.

ويقُوم صاحب العمل بتشغيل هذا العامل تحت مظلته أو يتم تسريحه في ربوع البلاد وسوق العمل ليبحث عن مداخل ومخارج يستطيع من خلالها تأمين مصدر رزق ودخل له ولعائلته، والذين غالبا ما يكونوا قد غادروا وطنهم، وباعوا كل ما يملكون ليتمكَّنوا من السفر ودخول السلطنة التي اتجهوا إليها ليدفعوا ما يمتلكونه من مبالغ لـ"تجار الإقامات"، ليتمكنوا من الدخول والإقامة، ظنًّا منهم أن إمكانياتهم ستجعلهم يحصلون على كل ما يتمنونه من سبل العيش الكريمة. وهذا يشكل عبئا على الدولة وشعبها، وتتكرر هذه العملية من التحايل على القانون من قبل البعض من أصحاب الأعمال أو ممن اتخذ من هذه الطريقة "تجارة" ومصدرا للدخل؛ من خلال بيع تصاريح الإقامات للوافدين، فيتسببون بذلك في تكدسهم مُحمِّلين البلاد أثقالا اقتصادية واجتماعية.

ونحن اليوم ندفع ثمنها أضعافا مضاعفة، وظهرت جليًّا مع تفشي جائحة كورونا، لنجد أنفسنا اليوم أمام تكدس أعداد هائلة من العمالة الوافدة السائبة أو الهاربة، أو تلك التي تقيم بطرق غير قانونية، وعلى الرغم من فتح العلاج والفحوصات للمصابين بكورونا مجانا، إلا أنَّ التخوف لدى البعض ممن يقطنون بيننا بشكل غير قانوني يمنعهم من إجراء الفحص، ويخافون من تلقي العلاج لكون وجودهم غير قانوني، خوفا من المحاسبة او الغرامات أو الترحيل، في حين أن "تجار بيع الإقامات لهم" ينعمون بالمبالغ التي تكبَّدها هؤلاء وحصل عليها تجار الإقامات بدون وجه حق.

إنَّ "تجارة الإقامات" تعد تحديا تراكميا بحاجة لوقفة جادة؛ كونها قضية متفشية، وهذه العمالة لا تُدر عائدا ولا إنتاجية ملحوظة على الاقتصاد، وإنما تشكل عبئا على التركيبة السكانية والحياة العامة، وقد يُؤدي تكدسها إلى مشكلات اجتماعية وأمنية. ونلمس ذلك واضحا في مختلف الدراسات التي تظهر المخاطر الناتجة عن وجود هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة.

بعض الدول تصنف "تجار الإقامات" الذين يستغلون حاجة العمال الأجانب لتصاريح الإقامة ضمن جريمة "الاتجار بالبشر"، واليوم إذا لم يتم أخذ هذه القضية بعين الاعتبار ستتفاقم خلال الفترة المقبلة، وسيتمَادى هؤلاء في تجارتهم مُستغلين حاجة العامل للإقامة لتوفير لقمة العيش.

إنني أناشد الجهات المختصة أن توقف "تجار الإقامات"، فالبلد أصبحت تئن من تكدس العمالة الوافدة غير المنتجة بشكل كبير، والكل يشكُو من تبعات الاتجار بالإقامات، مثل انتشار ظاهرة التسول، والعمالة السائبة، والعمالة الهاربة، حتى أصبحت بعض المناطق ملجأ وملاذا لتكدس هذه العمالة واختبائها بشكل غير قانوني.

لابد من مُعاقبة "تجار الإقامات" ومحاسبتهم، وتنفيذ القانون على كل من تسول له نفسه أن يخالف قوانين الإقامة بهدف الحصول على مبالغ من هذه العمالة؛ فهناك من المواطنين من يملكون عشرات السجلات التجارية غير المفعَّلة، فقط يستفيدون منها في إصدار تأشيرات ومن ثم بيعها لهؤلاء، بينما هذا المواطن لم يُقدِّم للاقتصاد الوطني أي فائدة تذكر من خلال سجلاته التجارية العديدة، التي رُبما لا يعلم عنها الكثير! وهنا دور كبير مُلقَى على عاتق وزارة التجارة والصناعة وغرفة تجارة وصناعة عمان؛ لفرز وتنقية السجلات التجارية، وقد بدأت هذه الجهات مشكورة هذا الجهد بالفعل في مراحل سابقة، لكن ينبغي أن يتم هذا الإجراء بصفة دورية.

كما أنَّ الحد من مثل هذه القضايا والتصرفات سيوفر المزيد من فرص العمل للشباب العماني، حتى ولو كانت في وظائف مُتناهية الصغر، إلى جانب تحسين الوضع الاجتماعي؛ مما سيترتب عليه انخفاض معدلات الغش والنصب والاحتيال، وتحسين جودة الأعمال.

الأكثر قراءة