هل نحن مستعدون؟!

 

ناصر الحضرمي

دفعت الثورة الصناعية الرابعة العالمَ إلى التركيز على مستقبل العمل. وقد أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، 2016، مصطلح "الثورة الصناعية الرابعة" على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، والتي من أهم ملامحها حدوث تغيرات تكنولوجية ورقمية وبيولوجية من شأنها أن تنتج عالماً مختلفاً إلى حد كبير عن العالم الذي نعيشه اليوم. عالمٌ يعتمد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والأنظمة الآلية. وسيكون لهذه التطورات تأثيرٌ كبير على فرص العمل الحالية والمستقبلية، إذ ستنشأ فرص عمل جديدة، في حين ستختفي الكثير من الوظائف القائمة اليوم.

كما أنَّ التغيرات التي تطرأ على عالم العمل من خلال عوامل التطور التكنولوجي، وتغير المناخ، والتحولات الديمغرافية، والعولمة، والأوبئة، تتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة للاستفادة قدر الإمكان من الفرص التي ستولدها هذه التغيرات. فقد أشارت التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية مؤخراً، والتي وصفت أوضاع سوق العمل بـ "الرهيبة"، وبأنها الأزمة الأكثر حِدَّة بعد الحرب العالمية الثانية، إلى تأثر ٨١% من إجمالي القوى العاملة في العالم بالتبعات الاقتصادية لجائحة كورونا (كوفيد ١٩)، أي ما يقارب ٢.٧ مليار عامل وعاملة.

وعند الرجوع إلى تقرير مُستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2018، نجده يشير إلى أنَّ حوالي ٦٥% من الأطفال الذين هم في المرحلة الابتدائية اليوم، سيعملون مستقبلاً في وظائف جديدة لا وجود لها في وقتنا الحالي، وستكون الوظائف والأعمال المكتبية والإدارية أكثر المتضررين من ذلك. كما ركز التقرير على الوظائف التي سيحتاجها العالم بشدة في المستقبل القريب، حيث ستعتمد جميعها على تكنولوجيا المعلومات، والتعامل مع المحركات الذكية.

وأشار التقرير أيضاً إلى فقدان ما يقارب 75 مليون عامل لوظائفهم بحلول عام 2022، مقابل ظهور ما يقارب 133 مليون وظيفة جديدة، وذلك نتيجةً للتحول من العمل التقليدي إلى العمل المعتمد على التكنولوجيا. ولفت التقرير إلى أنَّ أصحاب العمل يتوقعون تحولاً كبيراً في تقسيم العمل بين البشر والآلات والخوارزميات وفق المهام اليومية، حيث من المقدر أن يصل متوسط ما سيتم تنفيذه من مهام بالاعتماد على الآلات والخوارزميات والتكنولوجيا الحديثة إلى 62% بحلول عام 2022، مقارنةً بـ29% بنهاية عام 2017. وينبغي تذكر أن التقرير المذكور صدر قبل تأثر أسواق العمل بجائحة كورونا، التي سارعت وضاعفت من عملية التحول بشكل ملحوظ. حيث شهدت أسواق العمل فقدان الكثير من العمال وظائفهم حول العالم. كما أدت الأزمة إلى تسارع عجلة تغير أنماط العمل بشكل كبير، والتوجّه نحو الأتمتة والتكنولوجيا لتسيير الأعمال اليومية، وتقديم الخدمات عن بعد، وبساعات عمل مرنة.

من جهتها، حددت منظمة العمل الدولية في تقريرها: "العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً"، الصادر سنة 2019، المتغيرات التي ستشهدها أسواق العمل في المستقبل القريب بفعل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وأوضحت أنَّ المهارات المطلوبة لأسواق عمل المستقبل ستختلف عما هو سائد اليوم، وقد تصبح المهارات المُكتسبة حديثاً غير قابلة للاستعمال خلال وقت قصير، فالكثير من الوظائف ستختفي وستحلّ مكانها وظائف أخرى. وستفرض هذه التغيرات العديد من التحدّيات التي ينبغي التفكير فيها بشكل استباقي من قبل المشرّعين والمعنيين برسم سياسات سوق العمل. وسيتعين على الدول وضع استراتيجيات وطنية بشأن مستقبل العمل، من خلال الحوار الاجتماعي بين الحكومات وممثلي العمال وأصحاب العمل. بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في المقدرات البشرية، ومؤسسات العمل.

والاستثمار في المقدرات البشرية لا يتم إلا من خلال أنظمة تعليم وتدريب قادرة على مواكبة التغير السريع في سوق العمل، عبر جعل التعليم المتواصل حقاً شاملاً للجميع، ووضع استراتيجياتٍ من شأنها دعم القوى العاملة خلال عمليات الانتقال المتصلة بسوق العمل، وتعزيز الحماية الاجتماعية. كما أن الاستثمار في مؤسسات العمل يتطلب إدارة شاملة لسوق العمل، ومراقبته بواسطة التكنولوجيا بما يضمن الحماية الفعَّالة للعمال، وتحقيق اشتراطات السلامة والصحة المهنية، وإيجاد خيارات حقيقية للمرونة، والتحكم بأوقات العمل. كما يتطلب ضمان التمثيل الجماعي للعمال وأصحاب العمل، من خلال الحوار الاجتماعي، وتسخير التكنولوجيا وإدارتها من أجل العمل اللائق والمستدام. فهل نحن مستعدون؟!

تعليق عبر الفيس بوك