طالب المقبالي
تشهد مفاصل الحياة تنوعاً في تفاصيلها وأحداثها بما يساعد على استمرار هذه الحياة، وما يُواكب ذلك من ظروف سواءً أكانت ظروفاً حسنة أم ظروفاً سيئة، فهي ضرورة لابد منها والتسليم بها، كي تستمر الحياة.
فالسلطنة هي جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية التي تتأثر بالأوضاع التي تحيط بها من حول العالم. ومع مطلع العام 2020 تعرضت السلطنة والعالم أجمع إلى جائحة كورونا كوفيد19، وقد كتبنا عن ذلك الكثير، وسئم بعض القراء مما نكتب بلا شك ولا ريب، ولكن لا مهرب من هذا الواقع الذي فرض على عُمان والعالم أجمع، فما كتاباتنا إلا من باب التخفيف من وطأة الجائحة، والنصح والإرشاد والتوعية.
لقد عطلت الجائحة الحياة بجميع تفاصيلها الاقتصادية والاجتماعية والدينية؟ وأصبح الركود الاقتصادي ينذر بالعواقب الوخيمة ما لم تقم الدول بترتيب أوضاعها وفق المصالح العامة، فلا ضرر ولا ضرار. ونحن في عُمان ولله الحمد نعيش في بحبوحة تحت كنف حكومة رؤوفة بشعبها، وتحرص على راحته وسلامته وطمأنينته، فهذا ما لمسناه رغم الانهيار الاقتصادي، ورغم تهاوي أسعار النفط، فإنَّ الحكومة الرشيدة عطلت الأعمال، والموظف الحكومي مفرغ في بيته ووسط أسرته ويستمتع بكامل راتبه الذي يتلقاه قبل نهاية الشهر وهو في مأمن لحماية لنفسه ولأسرته من الإصابة بالمرض!
أليست هذه نعمة كبيرة تستحق الشكر لله، ومن ثمَّ لهذه الحكومة الكريمة الرحيمة الرؤوفة بشعبها؟
يحدث هذا في بلادنا ونحن نسمع ونقرأ ونشاهد عبر قنوات التلفاز ما آل إليه النَّاس في الخارج وفي أكثر الدول ثراءً من قطع أبواب الرزق على المواطنين هناك. وبعض الإجراءات التي قامت بها الحكومة لتخفيف الضغط عليها كي تحافظ علينا هو خفض مخصصات المشاريع غير العاجلة، كما خفضت العلاوات والبدلات غير الضرورية للمسؤولين الكبار في الدولة، كل هذه الإجراءات وضعت من أجلنا ومن أجل رفاهيتنا دون الإحساس بالنقص.
وبالتطرق إلى التعميم الديواني رقم 6/5/2020 الصادر بناءً على التوجيهات السامية والذي يقضي بعدم تجديد عقود ما لا يقل عن 70% من الخبراء والمستشارين الأجانب العاملين في جميع الوحدات الحكومية المدنية دون استثناء، وذلك عند انتهاء العقود المبرمة معهم.
كما يقضي بإحالة ما لا يقل عن 70% من الموظفين العمانيين شاغلي وظائف (مستشار/ خبير/ مدیر مختص) بكافة الوحدات الحكومية المدنية دون استثناء إلى التقاعد ممن أكمل في الخدمة 25 سنة فأعلى، وكذلك إحالة ما لا يقل عن 70% من موظفي كافة الوحدات الحكومية المدنية دون استثناء ممن تجاوزت خدماتهم 30 سنة إلى التقاعد، وذلك في موعد أقصاه تاريخ 31/12/2020 استناداً إلى ترتيب أقدمياتهم بالتعيين حتى يتم استيفاء النسبة آنفة الذكر.
هذا القرار أو التعميم أثار ردود أفعال كثيرة في أوساط المجتمع، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذا ما تمعنا في الأوضاع الراهنة فإنَّ هذا الإجراء ضرورة لابد منها لتوفير فرص عمل لعشرات الآلاف من الباحثين عن عمل من حملة المؤهلات العملية (بكالوريوس/ ماجستير/ دكتوراه)، في ظل شح الموارد وعدم توفر وظائف شاغرة.
فكثير من الأصوات غير المؤيدة للقرار تشير إلى أوضاع أصحاب المديونيات في البنوك، الأمر ليس بهذا التشاؤم، فقبل كل شيء الموظف سيظل يقترض طوال عمره لتحقيق مآرب كثيرة تخصه في الحياة حتى بلوغه السن القانوني، وهذه طبيعة كل إنسان، وقد مررنا جميعاً بهذه التجربة.
فهناك قروض ضرورية لبناء المنازل وتأثيثها، وهناك قروض ترفيهية لشراء السيارات والرحلات السياحية.
وبما أنَّ القرار أصبح واقعاً فهناك مجال لبرمجة الأوضاع مع البنوك، وقد قرأت في وسائل التواصل الاجتماعي أن البنك المركزي العُماني يعفي المتقاعدين من الأرباح، فإذا ما كانت المعلومة صحيحة فهناك بالفعل فرصة لجدولة الديون.
وبما أنني أحد المتقاعدين طواعية فإنني أرى في التقاعد حرية، وتحرر من قيود كثيرة حرمتنا من التمتع بحياتنا الحقيقية، وهناك أبواب عديدة من الرزق تتطلب السعي إليها والجدية في العمل، وعدم الاتكالية على الراتب، ولنا في الوافدين خير مثال، حيث يأتي الوافد ولا يمتلك قوت يومه، ويصبح بين عشية وضحاها من أصحاب الملايين، ونحن نبحلق في الرسالة النصية التي تصلنا نهاية كل شهر.
ومن المُقترحات الجميلة المتفائلة التي طرحها علي أحد الإخوة للكتابة عنها، وهو من المتقاعدين المديونين المتفائلين الذين يشملهم هذا النظام، وهو إنشاء صندوق خيري يساهم فيه كل موظف ومتقاعد بمبلغ شهري قدره 50 ريالا يخصص للمتقاعدين المديونين.
هذا الصندوق ينضوي تحت مظلة لجنة التنمية الاجتماعية ويتبع الفريق الخيري المعتمد في كل ولاية، ويكون باسم "ما دُمتَ حيا" بمعنى أن الموظف أو المتقاعد سوف يستمر في الدفع إلى أن يتوفاه الله، وسوف يستفيد من هذا الصندوق إن كان مديوناً لفك كربته، ويُساعد على فك كربات كثير من المديونين.
على أن تكون للصندوق إدارة مستقلة ومحايدة، ويتم تحصيل القسط آلياً بالخصم المباشر من الراتب ولا يلغى التحويل إلا برسالة براءة ذمة من إدارة الصندوق.
وإضافة إلى المقترح بإمكان الصندوق الاستثمار في شراء العقارات وتأجيرها لرفع دخل الصندوق وزيادة أعداد المستفيدين منه شهريًا.