ثورة تطوير الجهاز الإداري

 

 

د. سيف بن ناصر المعمري

 

لا يمكن أن يجادل أحد في أنَّ أهم المشكلات  التي يعاني منها بلدنا هي مشكلة إدارية في الأساس، حيث تضخم الجهاز الإداري في دولة صغيرة بطريقة متسارعة لم يكن أحد أن يتوقعها، وهو تضخم خلق بمرور السنوات إشكاليات متعددة لا يمكن لأحد أن يتخيلها، وباتت الوزارات والهيئات والدوائر والأقسام تتوالد وتتكاثر أكثر من تكاثر السكان؛ وفي الوقت الذي كانت بلدان كبرى يتم إدارتها بأجهزة إدارية صغيرة، تقوم على الإنتاجية، وعلى انتقاء العناصر البشرية الفعالة، التي تتميز بالكفاءة والإنجاز، والتطور، مضى الجهاز الإداري لدينا يخلق العقبات، ويكثر من الإشكاليات، ويعطل عجلة التطور في البلد، ليس بسبب عدم توفر عناصر وطنية ذات كفاءة يمكنها أن تقود عجلة التطوير ولكن لأنَّ ضخامة هذا الجهاز وعدم احتفاله بمعايير الكفاءة، والإنجاز قاد إلى عدم استثمار هذه الكوادر الوطنية، لأن معيار المسؤولية تأسس في أكثر الحالات على معايير شخصية، واجتماعية، أكثر من معايير موضوعية، وغدا كل من يخرج من مديرية، تنشأ له مديرية حتى لو يكن لها أي مسؤوليات تقوم بها، ومضى من تنتهي مسؤوليته في موقع، يطالب بأن يؤسس له مكان آخر، ومن يفقد كرسي يطلب أن يجلس على كرسي أكبر، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن بعضهم كان يصر أن يوجد أيضًا مكان ليس له فقط إنما أيضًا لمن أحضرهم معه من الداخل أو الخارج، فخسرت البلد كثيرا، أموالا، واستثمارات، وتطوير، ومضى هذا الجهاز المتضخم المترهل، يأكل أي محاولة للتطوير، أو أي دعوة للتغيير، ويجهز على أي نزعة لتعزيز قيم المسؤولية، والنزاهة، والجودة، والإنجاز.

 

إن تأكيد مولانا السلطان هيثم بن طارق على إصلاح الجهاز الإداري، ووفائه بما جاء في خطابه، يعد ثورة إدارية بلا شك، لأنَّ من كان ينظر إلى بنية أي مؤسسة، ويرى الأعداد الكبرى من وظائفها الكبرى والصغرى، ويتأمل في الإشكاليات التي تواجهها، وعجزها عن إيجاد حلول، يدرك أننا وصلنا إلى طريق مسدود، وأن أي محاولة إصلاح هذا الجهاز ستكون مستحيلة، ولكن هذه المهمة المستحيلة أمام الإرادة والعزم يبدو أنها لن تكون كذلك، وما اتخذه مولانا السلطان من قرارات خلال فترة قصيرة يعطي مؤشرا على أن مرحلة جديدة تبدأ في البلد، تدرك أن أي بلد لا يمكن أن ينجح في تحقيق أي رؤى واستراتجيات وأهداف مستقبلية بدون بناء جهازه الإداري، لأنَّ الإدارة هي أساس أي نجاح، وبناء الإدارات بطريقة سليمة سيقود إلى حل كثير من الإشكاليات، وسوف يوقف الهدر في كل الاتجاهات؛ سواء كان هدرا ماليا أو هدرا بشريا أو هدرا إنتاجيا، وبدون إيقاف هذا الهدر ستظل البلد تنزف من مالها العام ومن تاريخها وما يجب أن تكون عليه، كدولة رائدة في المنطقة.

لا شك أن ثورة الجهاز الإداري لا تقتصر على إحالة الموظفين وغيرهم من المستشارين ممن أكملوا سنوات طويلة في الوظيفة، لكنها لابد أن تشمل إعادة النظر في جوانب كثيرة متعددة، من ضمنها عدد المؤسسات ومدى الحاجة إليها، وكذلك وضع معايير للإنجاز لكل مؤسسة، حتى يمكن تحقيق ما تطمح إليه البلد، وما أطر في رؤيتها المستقبلية عمان 2040م، وبالتالي فإن الوظيفة العامة أياً كان مستواها، في ظل التطلع إلى المستقبل بحاجة إلى شروط محددة وصارمة في شغلها، حتى يكون أساس شغلها والبقاء فيها هو ما ينجز من قيادتها، وما يضاف من خلالها من تطوير للبلد، وحفاظ على موارده المالية، وكذلك بحاجة إلى مراجعة تشريعية للقوانين التي تحكم هذا الجهاز، ويبدو أن كل هذه التطلعات التي يحملها المواطنون، تأتي بسرعة لم يكن أحد يتوقعها، لأنَّ رؤية مولانا السلطان هيثم – حفظه الله- هي التغيير، وإعادة رسم مسارات المستقبل، والتضحية بأي شيء في سبيل تطور الوطن وتقدمه واستقراره.