تحديد النسل

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

هناك دول غربية تُنادي بتحديد النسل كحل لمشاكلها الاقتصادية كما تزعم، وهو أسلوب تستخدمه لمنع الحمل عن النساء القادرات على الإنجاب بشكل طبيعي، وذلك من خلال التشجيع على تناول حبوب منع الحمل، والإجهاض وقتل الأجنة في بطون الأمهات، فما أشبه اليوم بالأمس، كان أهل الجاهلية يئدون البنات ويقتلون الأولاد خشية الفقر، أما نحن المسلمين فأكثرنا أذعن وأنصت لذلك النداء، فصرنا نُؤمن بأنَّ الحل الوحيد لكثير من مشاكلنا الاقتصادية هو العمل على تطبيق فكرة تحديد النسل البشري فأصبحنا، كالببغاء نقلد ما نسمعه من نداءات تأتينا من هنا وهناك .

إنَّ فكرة تحديد النسل البشري ليست هي الحل الأمثل للمشاكل الاقتصادية، ذلك أنَّ الله تعالى قضى أن يهب للناس ذكورا ويهب من يشاء إناثا، أما ما جاء به الغرب من فكرة تحديد النسل فذلك كله من صنع الاستكبار العالمي بهدف ضرب العالم الإسلامي والاستخفاف بالعقل العربي، في حين أنَّ هناك الكثير من الدول الغربية تشجع على الإكثار من النسل البشري، بل وتضع جوائز تحفيزية وتشجيعية لمن يُكثر من الإنجاب البشري، فإنَّ اليهود أنفسهم يحرمون تحديد النسل ويحثون الشعب اليهودي على الإكثار منه .

علينا أن نعلم جيداً أنَّ الإسلام الحنيف، شجَّع وحفز ورغب أتباعه في أهمية التكاثر البشري من خلال الإنجاب وتعزيز النسل البشري وحفظه وصيانته من الاندثار .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " تناكحوا تكاثروا فإنِّي مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة"، وروي أنَّ رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود، فإنِّي مُكاثر بكم الأمم يوم القيامة.

إنِّ قوة المجتمع لا تأتي إلا من خلال قوة وطاقة ونشاط الأجيال الشبابية، لذا فإنَّ تحديد النسل يقلل من وجود القوة والنشاط الذي يحتاجه المجتمع، فترتفع بذلك الوفيات، مما يجعل من المجتمع مجموعة من كبار السن، وبذلك يكون المجتمع متأخرا في ازدهاره، ونجاحه، وتألقه، وإبداعه بين الأمم .

هناك من يقول إنَّ الإكثار من النسل البشري يؤدي إلى الفقر المادي والاجتماعي في الأسرة، والشح في الغذاء العالمي، لكثرة المصروفات التي ترهق الأسرة والمجتمع.

إذا عدنا قليلاً، وتأملنا روح الإسلام العظيم، لعرفنا جيدا أنَّ الله سبحانه وتعالى وفَّر الغذاء لكل من على هذه الأرض من كائنات ومخلوقات، فهو وفر الطعام للجنين في رحم أمه لتسعة أشهر كاملة، حيث إنَّ الجنين لا تمر عليه أزمة غذائية على الإطلاق .

إن الإسلام لا يعترف بفكرة الانفجار السكاني المزعوم، ذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا خلق الكون بما فيه من مخلوقات عجيبة وغريبة بألوانها وأشكالها، خلقه وفق نظام دقيق قال تعالى: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)، وقال: (وماكنا عن الخلق غافلين)، وهذا يدل دلالة واضحة على أنَّ الله سبحانه وتعالى قادر على توفير ما تحتاجه المخلوقات من غذاء وإمكانيات، قال تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها).

والله تعالى يرزق الجنين في رحم أمه لتسعة أشهر، ويرزق الكتكوت في داخل البيضة لعدة أسابيع، كذلك هو الإنسان عندما خلقه الله سبحانه وتعالى ذلل له الأرض، وأمره أن يستثمرها بحثا عن طعامه الذي أمره بالبحث عنه بالجد والاجتهاد، إنَّ الله سبحانه وتعالى قادر أيضًا أن يتكفل بطعام الإنسان، ولكن أراد سبحانه وتعالى من الإنسان أن يتحرك ساعيًا في جوانب الحياة، مجتهدا في كسب رزقه وطعامه، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

والإكثار من النسل البشري لايعني تفاقم الفقر وإضعاف الاقتصاد العالمي كما يعتقد البعض، لذا فإنَّ الله تعالى ميز الإنسان بميزة هامة من بين سائر مخلوقاته، وهي: ميزة العقل، فعلى الإنسان أن يستخدم عقله من خلال التفكير، والجد، والاجتهاد، والحركة الدؤوبة، وأن يعلم أنَّ رزقه مكتوب ومقسوم ومذخور له، فما عليه إلا أن يفكر جيدًا، ويتحرك في طلب الرزق، ففي الحركة بركة، ذلك ليُبارك الله له في رزقه ونسله، ويجعله من أهل الغنى والثروة مساهمًا بذلك في إنعاش الاقتصاد من خلال تكثير عملية النسل.

أما على الصعيد الشرعي والديني فإنَّ تحديد النسل محرم في الإسلام أما تنظيمه فلا بأس به، ولكن بالوسائل المشروعة والمتاحة، ولا علاج لمُشكلة تحديد النسل إلا بالإيمان بالله، والعودة إليه، فعندما يُؤمن الإنسان بأنَّ ما يريده الله هو خير له، فذلك يعني أنه سار على درب الهداية بقلب مفعم بالأمل، متفائل بالخيرات والبركات التي وفرها الباري تبارك وتعالى له من خلال الغذاء والأمن والراحة والاستقرار في عالم الحياة.