"شهر مميت" في السويد يظهر مخاطر استمرار فتح القطاعات دون غلق

ترجمة - رنا عبدالحكيم

بحلول أواخر مارس، أغلقت كل دولة تقريبًا في أوروبا المدارس والشركات، وقيّدت السفر وأمرت المواطنين بالبقاء في منازلهم. لكن دولة واحدة برزت لقرارها بالبقاء مفتوحًا: السويد.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، لاقت استجابة البلاد المعتدلة لتفشي الفيروس التاجي، المديح من بعض السياسيين الأمريكيين، الذين رأوا في السويد نموذجًا محتملًا للولايات المتحدة مع بدء إعادة فتح القطاعات. وقال السيناتور الجمهوري راند بول من ولاية كنتاكي في جلسة استماع بالكونجرس "نحتاج أن نلاحظ بعقل مفتوح ما حدث في السويد، حيث استمر الأطفال في الذهاب إلى المدرسة". لكن في حين تجنبت السويد الخسائر الفادحة في تفشي المرض في إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، فقد شهدت أيضًا زيادة غير عادية في الوفيات، وفقًا لبيانات الوفيات.

وفي ستوكهولم؛ حيث انتشر الفيروس عبر مجتمعات المهاجرين، توفي أكثر من ضعف العدد المعتاد للأشخاص في الشهر الماضي. وتتجاوز هذه الزيادة إلى حد بعيد الارتفاع في الوفيات في المدن الأمريكية مثل بوسطن وشيكاغو، وتقترب من الزيادة الملحوظة في باريس.

وفي جميع أنحاء السويد، توفي ما يقرب من 30% من الاشخاص خلال الوباء أكثر من المعتاد خلال هذا الوقت من العام، وهي زيادة مماثلة لتلك التي في الولايات المتحدة وأعلى بكثير من الزيادات الصغيرة التي شوهدت في البلدان المجاورة لها. في حين أنّ السويد هي أكبر دولة في الدول الاسكندنافية، إلا أنّ جميعها لديها أنظمة رعاية صحية عامة قوية وانخفاض التفاوت الصحي بين السكان.

وقال أندرو نويمر أخصائي الديموغرافيا في جامعة كاليفورنيا في إيرفين "إنّها ليست مقارنة جذابة للغاية بالنسبة للسويد، التي لديها مثل هذا النظام الصحي العام الرائع". وأضاف "لا يوجد سبب يدعو السويد لأنّ تكون أسوأ من النرويج والدنمارك وفنلندا".

ولا يوجد بلدان متشابهان تمامًا، مما يجعل المقارنات غير دقيقة. ويلعب الحظ وأنماط السفر والإجراءات الشخصية دورًا، وليس فقط سياسة الحكومة.

واختار المسؤولون السويديون عدم تنفيذ الحظر على الصعيد الوطني، واثقين من أن الناس سوف يقومون بدورهم للبقاء في أمان. وظلت المدارس والمطاعم وصالات الرياضة والحانات مفتوحة، مع تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، بينما اقتصرت التجمعات على 50 شخصًا.

وبعد ذلك بشهرين، لم يكن أسوأ سيناريو تصوره الكثيرون قد وقع، فقد ضربت وفيات كوفيد-19 بشكل غير متناسب كبار السن والمقيمين في دور رعاية المسنين، كما هو الحال في معظم البلدان، لكن المستشفيات لم تواجه ضغوطا كبيرة. وكما هو الحال مع بقية العالم، سوف تمر شهور أو حتى سنوات، قبل ظهور الصورة الكاملة للوفيات.

وقال مارتن كولك عالم الديموغرافيا في جامعة ستوكهولم "من الواضح أن معدل الوفيات في ستوكهولم كان أعلى بكثير مما تتوقعه من عام عادي". وأضاف "لكن علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث. إنه فرق كبير جدًا إذا واصلنا رؤية معدل الوفيات المفرط لمدة ستة أشهر أخرى، أو إذا كان سيعود إلى المستويات الطبيعية في غضون أسابيع قليلة".

وقامت صحيفة نيويورك تايمز بقياس أثر الوباء في السويد من خلال مقارنة إجمالي عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الأشهر الأخيرة مقابل المتوسط ​​على مدى السنوات العديدة الماضية. وتشمل النتائج الوفيات الناجمة عن كوفيد-19، إضافة إلى الوفيات لأسباب أخرى، بما في ذلك الأشخاص الذين لم يتمكنوا من العلاج أو قرروا عدم التماس العلاج. وفي حين لا يوجد إجراء مثالي، إلا أنّ الزيادة في عدد الوفيات تقدم الصورة الأكثر اكتمالا عن حصيلة الوباء، كما يقول علماء الديموغرافيا.

ودافع مسؤولو الصحة العامة السويديون عن استراتيجيتهم، مع الاعتراف بأن البلاد فشلت في حماية المسنين. وقالوا إن الهدف هو الحد من انتشار العدوى دون الحاجة إلى تأمين كل شيء.

وقال عالم الأوبئة في السويد أندرس تيجنيل، "بمجرد دخولك في حالة حظر أو إغلاق، من الصعب الخروج منه".

وبدلاً من فرض عمليات إغلاق صارمة، قال مسؤولو الصحة العامة إنه يمكن الاعتماد على السويديين للحد من الخروج واتباع إرشادات التعقيم. وثبت أن ذلك صحيح بشكل عام؛ حيث زار السويديون المطاعم ومحلات البيع بالتجزئة وأماكن الترفيه الأخرى تقريبًا مثل سكان الدول المجاورة، وفقًا لإحصائيات التنقل في جوجل.

لكن ثمة سبب للاعتقاد بأن نهج السويد قد لا يعمل بشكل جيد في مكان آخر؛ إذ تتميز السويد بانخفاض الكثافة بشكل عام وارتفاع نسبة الأسر التي تتكون من فرد واحد وهي عوامل تشترك فيها مع جيرانها من الدول الاسكندنافية بعيداً عن دول أوروبا الغربية الأخرى. وفي إيطاليا، مزق الفيروس العائلات الممتدة المقيمين في منزل واحد؛ حيث انتشر بسهولة من الشباب إلى أقاربهم الأكبر سنا.

وعلى الرغم من أن السويد ليست دولة شابة بشكل خاص بالمقارنة مع نظيراتها في أوروبا الغربية، إلا أن متوسط ​​العمر المتوقع المرتفع لها ومستويات منخفضة من الأمراض المزمنة، مثل مرض السكري والسمنة، تجعل الفيروس أكثر فتكًا.

وحتى من دون إغلاق كامل، لم يسلم الاقتصاد السويدي؛ حيث تشير الأدلة الأولية إلى أنّ السويد عانت من آثار اقتصادية مماثلة لجيرانها. ويتوقع البنك المركزي السويدي أن ينكمش الناتج المحلي بنسبة 7 إلى 10% هذا العام، وهو تقدير على قدم المساواة مع بقية أوروبا. وتتوقع المفوضية الأوروبية أن ينكمش اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة 7.5%.

وقال نويمر "سيتم الحكم على السويد في خط النهاية". وأضاف "لكنّها مخاطرة كبيرة للغاية، والعواقب هي حياة الناس".

تعليق عبر الفيس بوك