التكنولوجيا لتطوير التعليم

حاتم الطائي

 

◄ التعلم عن بُعد لم يعد خيارًا.. بل ضرورة يجب تطبيقها في مختلف المؤسسات

◄ جامعاتنا الوطنية مطالبة بتوظيف تقنيات التعليم الحديث لاستيعاب الطلاب الجدد

 

 

مُنذ سنوات طويلة وحكومتنا الرشيدة تسعى لـ"رقمنة" الأداء، أو ما يُعرف اصطلاحًا بـ"التحول الرقمي"، أو التحول الإلكتروني.. وبالفعل، نجحت وزارات وهيئات عدة في هذا التحول، وإنجاز خدماتها عبر الإنترنت؛ سواء من خلال تطبيق على الهواتف الذكية، أو عبر مواقع الإنترنت المختلفة، وهي جهود مشكورة ومقدرة، رغم ما قد يشُوبها في بعض الأحيان من عيوب تقنية أو بطء، أو عدم كفايتها في تخليص المعاملة بنسبة 100%.

وفي ظلِّ ما نتعرَّض له من ظروف وتداعيات فرضتها علينا جائحة "كورونا"، استطاعتْ المؤسسات -بل وأيضا الشركات- التي وظفت التكنولوجيا الحديثة تقديم خدماتها وإنجاز معاملاتها إلكترونيًّا وبكل سهولة ويُسر، ووظَّفت كذلك الدفع الإلكتروني وسداد الفواتير والرسوم بهذه الطرق الحديثة. لكن القطاعات التي لم توظف التقنيات الحديثة على النحو الأمثل قبل الجائحة، استغرقتْ وقتًا ليس بالقليل من أجل تحقيق الفارق فيما تُقدِّمه من خدمات، وعلى رأسها: قطاع التعليم. وهنا، يجب أنْ نتناول هذا القطاع على شقين؛ الأول: التعليم الحكومي، والثاني: التعليم الخاص بأنواعه. أما التعليم الحكومي، فللأسف كان التحرُّك بطيئا ولم يكن على قدر التوقعات، رغم وجود منصة تعليمية إلكترونية وبوابة تعليمية تحتل أحد مراكز الصدارة بين مواقع الإنترنت في بلادنا. وهذا البطء نرى مردُّه إلى مُباغتة أزمة الفيروس لنا جميعًا، لكن لنتصور سويا ماذا لو كان لكل مدرسة حكومية آلية لتقديم الخدمات التعليمية عبر وسائل إلكترونية، لتراجعتْ حِدَّة الأزمة، ولاستطعنا أن نتجاوزها بطريقة أفضل مما نحن عليه الآن. صحيح أنه يتم تقديم دروس عبر البث المباشر لتليفزيون السلطنة، لكن هذا فقط لصفوف معينة، وليس لجميع الطلاب الذين لهم الحق في التعليم.

الشق الثاني: المدارس الخاصة؛ فتلك تفاوتت نسبة التجاوب فيها مع الأزمة، فمنها من أطلق سريعا -وفي الأسبوع الأول من الأزمة- خطة للتعلم عن بُعد، رغم ما حملته التجربة من بعض السلبيات، ومدارس أخرى تباطأت في تقديم الخدمة، أو قدمتها بجودة منخفضة.

وفي الحديث عن التعليم الجامعي، فلرُبما كانت الصورة مختلفة بدرجة كبيرة، فعلاقة المحاضر مع طلابه الذين أغلبهم فوق سن السبعة عشر عاما، مُختلف جذريًّا عن التعامل بين المعلم والطلاب في المدارس، وأكثرهم إمَّا أطفال أو من فئة الشباب صغير السن نسبيًّا.

إذن؛ نحن هنا أمام مُعضلة رئيسية؛ وهي الاستثمار في التكنولوجيا، علينا أن نبحث عن المسببات التي أعاقت مؤسسات التعليم الحكومية والخاصة عن الاستثمار في تكنولوجيا التعليم، ولماذا لم يتم صياغة إستراتيجية مُثلى لتكنولوجيا التعليم، وهنا لا أتحدث عن التعليم المدرسي وحسب، بل أناقش التعليم بكل فئاته: المدرسي والجامعي، ولمختلف الفئات الطلابية؛ سواء في مؤسسات التعليم العادية أو مؤسسات التعليم المعنية بفئات أخرى مثل ذوي الإعاقة وغيرهم.

وعندما نستثمر في التعليم، فهذا لا يقل عن الاستثمار في الغذاء أو الدواء أو حتى النفط والصناعات؛ فالعقول التي نستثمر فيها هي التي ستحمل على عاتقها مسؤولية تطوير القطاعات الأخرى، والاستثمار في التعليم الآن يبدأ من بوابة التكنولوجيا. فقد بات حتميا أن تتولى وزارة التربية والتعليم التعاون مع جهات أخرى؛ مثل: وزارة التقنية والاتصالات، والصندوق العماني للتكنولوجيا، وأيضا الشركات التكنولوجية المُطوِّرة للبرمجيات، ومنها شركات لشباب عمانيين مجتهدين وواعدين للغاية، وهناك نماذج مشرقة كشفت عنهم "جائزة الرؤية لمبادرات الشباب" على مدى سنوات انعقادها.

والاستثمار في تكنولوجيا التعليم يستلزم أولا: وضع رؤية وطنية لإدخال التكنولوجيا بشكل كامل في المنظومة التعليمية، ومن بينها: تطوير برمجيات ووسائل التعليم عن بُعد. ثانيا: إتاحة المجال مرة أخرى أمام طلابنا للحصول على شهادات جامعية من مختلف الجامعات حول العالم عن طريق التعلم عن بُعد. ثالثا: تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في تكنولوجيا التعليم. رابعا: إلزام مؤسسات التعليم بإيجاد بدائل تكنولوجية ناجعة ومفيدة للتواصل بين المعلم/المحاضر والطالب، تكفل حق الطالب في تلقي العلم حتى في أوقات الأزمات والكوارث. خامسا: توظيف دور الإعلام كوسيلة تواصل قابلة للتطبيق بين أطراف العملية التعليمية، والاستفادة من أصول المؤسسات الإعلامية لدعم العملية التعليمية في إطار الشراكة والتعاون من أجل صالح الوطن.

ومع بَدْء العدِّ التنازليِّ للعام الدراسي الجديد، يجب على مؤسسات التعليم العالي أن تعمل بجد واجتهاد لإكمال البُنى الأساسية الخاصة بالتعليم عن بُعد؛ فالعام الجديد سيشهد زيادة كبيرة في أعداد الطلاب؛ نظرا لعدم إمكانية ابتعاث طلاب جدد هذا العام في ظل الجائحة، ومن هُنا ستتولى الجامعات الوطنية مهمة استيعابهم، لذا لزم أن تكون على أهبة الاستعداد، وتوظف من التقنيات ما يساعد على تقديم خدمات تعليمية متطورة تواكب العصر.

ويبقى القول.. لا خيار أمامنا سوى أن نستثمر في المستقبل، أن نستثمر في تكنولوجيا التعليم، وغير ذلك سنكون قد تخلفنا عن ركب التقدُّم، وأهدرنا فرصة تاريخية متاحة لنا الآن، لكننا متفائلون بقدرتنا على إنجاز هذا التحدي، خاصة وأن التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تشدِّد على ضرورة إيلاء التقنيات الحديثة كل الاهتمام والدعم، وتوظيفها في تعزيز مسيرة نهضتنا المتجددة، من أجل خير ونماء وصلاح هذا الوطن العزيز، بقائده المفدى، وشعبه الوفي، وترابه المقدَّس.