"التعليم عن بُعد".. إيجابيات وسلبيات

مدرين المكتومية

تفرضُ علينا جائحة "كورونا" واقعًا جديدًا يتشكل للتكيُّف مع الأوضاع الصعبة التي نعاني منها جميعًا في مُختلف القطاعات، ويأتي قطاع التعليم بمختلف مستوياته أحد هذه القطاعات؛ حيث توقف الطلاب عن الذهاب للمدارس والجامعات، وأصبح الجميع يبحث لأبنائه عن بدائل حتى تنحسر السنة الدراسية.. فاتَّجهت الجامعات والكليات إلى "التعليم عن بُعد" كأحد الخيارات المطروحة. وعلى الرَّغم من أن لدينا بعض التجارب الرائدة في ذلك؛ مثل: كلية العلوم الشرعية، إلا أن وزارة التعليم العالي كان ينبغي لها أن تكون أكثر استعدادًا لذلك بوضع الأنظمة والضوابط الخاصة لذلك.

التعليم عن بُعد كانَ فكرة مطروحة منذ زمن، وليس أمرًا جديدًا علينا، والكثير من المؤسسات العالمية المرموقة تعمل به منذ أكثر من عقد من الزمن -كجامعة هارفارد وغيرها من الجامعات العريقة- الأمر الذي يجعلنا نقف عند الحاجة الماسة والضرورية لذلك؛ فالحياة تغيرت والثورة الصناعية فرضت علينا ذلك، والتعلم عن بعد ليس فقط تحولًا وإنما هو حل في ظل حدوث مثل هذه الأزمات، حتى لا يقع الطالب ضحية الأزمات، ويستمر في إنجاز دراسته دون أي تحديات قد تواجهه.

التعليم عن بُعد سيعطي فرصة لتخفيف الخسائر على المؤسسات التعليمية، واستيعاب عدد كبير من الطلاب دون الحاجة لتوسعة المرفقات والمنشآت، إلى جانب أنها ستخفف الأعباء أيضا على الطالب، وبالتحديد القاطنين بعيدًا عن مُؤسساتهم التعليمية، وجود الطالب في المؤسسة التعليمية لم يعد أمرا ضروريا، خاصة وأننا بين فترة وأخرى من الزمن كنا نستمع لحوداث حافلات راح ضحيتها طلاب، لأنهم وبالمختصر كانوا مضطرين لارتياد صفوفهم، ولأن الزمن تغير، وإيقاع الحياة أيضا تغيَّر، فقد بات من الضروري العمل على تقديم نظام متكامل حول آلية التعليم عن بُعد، وأيضا استيعاب كفاءات من الأساتذة قادرين على إيصال الرسالة التعليمية بكل أريحية ووضوح دون أي صعوبات.

فعندما نتحدَّث عن التعليم عن بُعد، علينا أن نعود للوضع الراهن الذي يعيشه الطالب في مختلف المؤسسات التعليمية، والتي يُواجه فيها بعض الطلاب صعوبات واضحة، والبعض الآخر يجدها وسيلة سهلة وغير مُكلفة، بعيدًا عن الحاجة لارتياد الجامعة ودفع رسوم سكن ونقل... وغيرها من الرسوم التي قد تقل بوجود مثل هذا النوع من التعليم.

وعلى مستوى التربية والتعليم، فإنَّ التعليم عن بُعد أيضا كان حلًّا، ولكن في اعتقادي أنه لم يكن بالطريقة التي يَجِب أن تتخذ، خاصة وأنَّ هناك في كل مدرسة قسمًا خاصًّا بقسم "تقنية المعلومات"، والذي كان بالأحرى تفعيله خلال هذه الأزمة لأن تظل الهيئة التدريسية تعمل عِوَضًا عن تعطيلهم، وأيضا تعطيل الطلاب الذين لم يستطيعوا أن يحصلوا على تعليم متكامل.

ومن خلال الرصد والتقصي، تبين لي أن تجربة المدارس الحكومية في التعليم عن بعد لم تكن بالكفاءة المطلوبة، ولم تحقق النتائج المرجوة، باستثناء بعض الحالات، كما إن التجربة في المدارس الخاصة والدولية والتي يتكبد فيها ولي الأمر آلاف الريالات سنويا، كانت دون مستوى الطموح، إذ بدا في كثير منها أن الأمر غير منظم وتشوبه العشوائية، فهناك مدارس فتحت الباب أمام توظيف تقنيات الاتصال المرئي لجميع الطلاب في مختلف الصفوف، دون الوضع في الاعتبار صغر سن الطالب، مثلما هو الحال في صفوف (KG) أول وثاني، وأيضا في الصفوف من 1-4، فهؤلاء أطفال في نهاية المطاف، وإجبارهم على المكوث أمام شاشة كمبيوتر لفترة تزيد على الخمس أو الست ساعات، أمر مرهق نفسي قبل أن يكون بدنيا، هذا مع الوضوع في الاعتبار ظروف أخرى مثل عدم قدرة الطفل (الطالب) على التواصل الحقيقي مع زملاءه لصعوبة ذلك تقنيا خلال الدرس الإلكتروني، وهنا نحن أمام أزمة نفسية عميقة تهدد مستقبل الوعي لدى هؤلاء الطلاب.

فما الحل إذن؟!

يجب أن تتساهل المدارس مع مقترحات أولياء الأمور، وأن يتم تقديم كل سبل الدعم النفسي والتعليمي لجميع الطلاب، وخاصة الطلاب في المراحل التعليمية الصغرى، ويتعين على وزارة التربية والتعليم أن تقود هذا التوجه، وألا تترك الأمر لكل مدرسة تتصرف كيفما تشاء، فيتحول الأمر نحو العشوائية أكثر منه نحو التنظيم والتميز.