عاقٌّ بمرتبتين

 

 

عائض الأحمد

العُقوق من أقبح الصِّفات وأسوأها، وكما أعتقد أو هكذا بدا لى أنَّ أقصَى درجاته: نُكران الجميل، وتجاهُل المعروف.

خَلقَنا الله لنميِّز الصالح والطالح، رُبما الأخير زاد وفرض سطوته وعقوقه، واستمرأ ذلك مع سبق الإصرار والترصد؛ فأغمض عينًا وكأن لم يرَ شيئًا بالأخرى.

كانَ لى جار لم أسمع منه يومًا كلمه تسيء، ولكن على نفس الوزن والقافية لم أجد منه فعلًا يجعله ممن وُصِّينا به خيرا حتى ولو جار.

في مُقتبل عمري، وفي نهاية مجلس أحدهم ممن كُنت أظن فيهم خيرًا، وأستمع لهم بكل اهتمام، تذكرت ذلك الرجل وهو يقول:

- ماذا قدم هؤلاء لبلدهم؟

- وماذا سيقدمون عند الحاجة؟

كان ذلك منذ 3 عقود أو يزيد، وكم كُنت أتمنَّى أن يأتي اليوم الذي نقول لهم فيه شكرًا من الأعماق، ولكن للأسف.. لم نجد أعمق من جرح ذوى القربي، فحال هؤلاء القوم مهما تقدم بهم الزمان أو قصر لا يغيره وقت أو ظرف، تراهم جماعات في مطالبهم وكأنهم رجل واحد، وعند الشدائد فرادى لا همَّ لهم سوى مصالحهم، ومن بعدهم أي طوفان لا يبقي ولا يذر، فلا شأن لهم بما يحدث، وكأنهم غربان تجتمع حول موتاها فلا تعلم هل تجتمع لوداعهم، أم هي ما جرت به العادة لبحث مكاسبهم والبدء من حيث انتهى الموتى؟

لقد أسمعت لو ناديت حيًّا

ولكن لا حياة لمن تنادي

ما أشبه الليلة بالبارحة.. فكلنا نعلم متى وأين وفيمن قيلت هذه الأبيات، إنها جينات متوارثة، نتناقلها عبر التاريخ، فإما بذخ لا حدود له، وإما إمساك لا طاقه لنا به.

يُردِّدون "لسنا جمعيات خيرية" نعم.. هذا صحيح ونحن يا سادة لسنا متسوِّلين أيضًا. أنتم أحوج منَّا لرد جميل الوطن الذي جعل منكم أعلامًا يُشار إليها، ثم يرعى مصالحها، ويسن القوانين لحمايتها والمحافظة على ما وصلوا إليه بفضل كل هذا.. أليس الأولى بكم معروف تُذكَرون به.

وإنْ لم يكن هذا، فعليك أن لا تأكل على موائد الناس، ثم تصرفهم في حضور مائدتك، إن كان لك شيء من ذلك.

لن تحمل لك الأيام أكثر من هذا، ولن تأتي الريح على حصادك دون إنذار يسبقها أو علامات ترسلها، إن لم يكن رحمة بك فإنه قانون الطبيعة، فما عساك تفعل وأنت بلا طبيعة تعيدك إلى رشدك، وبلا أخلاق تخاطب بها من يليك من قومك أو من خط نهجك.

إنْ كانت لك اليوم فغدًا تذهب لغيرك.. إنها معشوقة الجميع يتبادلونها صاغرة، سنة قد مضت فما عساك تفعل عندما تُوقِد نارًا فتأكل زرعك وتحرق دارك؟ أو لم تسمع من قبل أنها لو دامت لك ما وصلت لغيرك.

محظُوظ من ترك شيئًا منها لأمته وبلده، فناله ما نال الشرفاء في ساحات اللقاء ساعة هروب المتخاذلين الجبناء.

----------------

ومضة:

"جهلك بما سيكون قِصة، وتجاهلك بما أنت عليه عِبرة وعِظَة.. فاختر أيهما سيُروى عنك".