طالب المقبالي
لقد كتبتُ كثيراً عن موضوع التقاعد سواءً مقالات صحفية أو تغريدات عبر تويتر، وقد تضمّنت مقالاتي بعض الخطط لما بعد التقاعد استفاد منها كثير من المتقاعدين حديثاً من خلال تواصلهم معي لتقديم الشكر على تلك المخططات والنصائح التي ذكرتها.
وأخيراً جاء القرار النهائي للخروج إلى التقاعد مع مطلع العام 2020 على أمل البدء في تنفيذ المخططات لهذا اليوم المنتظر، إلا أنّ مشيئة الله أكبر من أية مخططات، فثلاث سنوات من التخطيط تُقوضها ثلاث نكبات، ولعلي الوحيد الذي لم يستفد من تلك المخططات والنصائح. وكانت هناك العديد من الخطط والبرامج التي رسمتها لحياتي الجديدة بعد أن تقدمت بطلب التقاعد قبل الموعد الرسمي لتقاعدي.
فتقاعدي بدأ في الخامس من يناير من هذا العام، وقبل هذا الموعد بأسبوع استعجلت الخروج للإجازة قبل حلول العام الجديد بأيام ليكون آخر عهد لي بالعمل هو العام 2019 لأبدأ عام 2020 بمسيرة جديدة.
إلا أنّ الرياح جرت عكس مسار أشرعة السفينة، فقد فُجعت في الثلاثين من ديسمبر 2019 بهروب المستثمرين معي في شركتي التجارية مخلفين الديون على الشركة بعشرات الآلاف من الريالات، فمنذ ذلك التاريخ وأنا بين أروقة المحاكم ولم أهنأ بيوم من أيام تقاعدي، ولم أنفذ شيئاً من مخططاتي لما بعد التقاعد.
فبينما أنا أعيش الصدمة الأولى فجعت في العاشر من يناير من هذا العام بفاجعة لم أفق منها حتى اليوم، وهي فاجعة لم أكن وحدي الذي صُدم بها، وإنما شعب عُمان قاطبة وهو رحيل باني ومؤسس نهضة هذا الوطن الغالي جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه. فمنذ ذلك اليوم ونحن في صدمة كبرى، فهو الأب الروحي وصاحب النهضة التي نعيشها، وقد عايشناها منذ طفولتنا وحتى مشيبنا.
هاتان النكبتان جعلتا خططي وأحلامي تتقهقر، فبدأ اليأس يتسلل إلى داخلي مع محاولات التغلب عليها والرضاء بقضاء الله وقدره، فربنا عز وجل يقول في كتابه العزيز (قُل لَّن یُصِیبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا هُوَ مَولَانَا وَعَلَى اللَّه فليتوكل المُؤمِنُونَ) صدق الله العظيم.
فبينما أعيش الصدمتين تأتي الصدمة الثالثة التي تكاد تقوض كل الأحلام وكل الخطط، ألا وهي وباء كرونا كوفيد 19، هذا الوباء الذي اجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأودى بحياة بمئات الآلاف من البشر، وقد ناهز المصابين به حول العالم المليونين ونصف المليون.
فبسبب هذا الوباء هوت أسعار النفط وأصبح الاقتصاد على المحك، فأغلقت المدارس والجامعات والمطارات والحدود، كما أغلقت المساجد وعُطلت صلوات الجمعة والصلوات الخمس في المساجد وصلاة التراويح التي ينتظرها المسلم بقلب خاشع كل عام، كما عُطلت الأعمال، وأغلقت المحلات التجارية، وألغيت المهرجانات، وأجبرنا على البقاء في المنازل، وشُلت الحياة، ومنعت الأسفار، كما منع التنقل بين المحافظات، وانقطع التواصل الجسدي، فاشتقنا لأرحامنا الذين يعيشون بعيداً عنا.
فكيف لي أن أنفذ مخططاتي في ظل هذه الظروف وهي تحتاج إلى التركيز والصفاء الذهني والمادة، وكل هذه المقومات أصبحت معدومة.
نسأل الله تعالى رفع هذا الوباء وجلاء الهموم والمحن وعودة الاستقرار إلى هذا البلد وسائر بلاد المسلمين.