عمان تبني ذاتها بسواعد أبنائها المخلصين

 

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

العالم الذي نعيش فيه لم يكن بتلك الصورة البيضاء من القيم والمبادئ والأخلاق التي رسمت في أذهاننا، بل هو عالم يسوده التنافسية والصراعات من أجل تحقيق الأهداف بأي شكل كان، من أجل توفير المصادر المالية وتحقيق القدرات الاقتصادية، فالبقاء في هذا العالم يعتمد على القوة التي تمتلكها أو تحاول الحصول عليها، لذا تُغيب العديد من القيم والمبادئ في التعامل بين الدول والشعوب.

وهذه الصراعات تأخذ أشكالاً متنوعة فهي ليس حروبا ميدانية وإنما حروب تجارية واقتصادية وتعليمية وإدارية، بل تعمد العديد من الدول إلى تدمير القدرات الذاتية للدول وتحرمها من الاستفادة من الإمكانيات التي تمتلكها، خوفا على مصالحها الاقتصادية ولخلق نوع من التبعية، بل والعمل على التأثير النفسي وجعل الشعوب تعيش في مرحلة من الخمول والكساد، إلا أن كورونا كشف الكثير. كيف حدث ذلك؟

المرحلة الحالية التي يمر بها العالم خاصة مع غلق الحدود ووسائل النقل المختلفة أسهمت في اكتشاف القدرات الذاتية للدول، وهذه الصورة الإيجابية لكورونا، حيث أجبرت هذه الظروف الاستثنائية الدول للاعتماد على القدرات الذاتية من خلال البحث عن الحلول وإيجاد البدائل والعمل على إدارة الأمور بصورة ذاتية والبحث عن المصادر المحلية والموارد الطبيعية والبشرية، والبحث عن الحلول التي تساعد على توفير احتياجاتنا الضرورية في ظل التعليق والغلق بل والمنع من الحكومات بغية حماية نفسها من الأمراض أو من أجل توفير الاحتياجات الأساسية لها قبل الآخرين. هنا نقف مع صورة إيجابية دفعت العديد من المؤسسات الحكومية أن تعيد ترتيب أولوياتها والاهتمام بالشباب العماني ودعم ابتكاراتهم والعمل على الاستفادة منها، بل عمدت بعض المؤسسات إلى تشجيع قطاع الزراعة والصناعة والإنتاج المحلي، مما أثر إيجابا على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير مصادر دخل جديدة للمواطنين والحكومة، الأمر الذي يوجهنا نحو القدرات التي نمتلكها في سبيل ذواتنا بعيداً عن الآخرين والعمل على استغلال كل الثروات بصورة إيجابية وفاعلة تخدم الوطن وتحقق الأمن الغذائي للمواطن.

ربما ما نشهده من إعادة الحياة لمؤسسات وشركات حكومية كانت في سبات عميق لتعود للعمل وفقاً لما تم التخطيط له من أهداف تخدم الوطن، كانت أهم النتائج الإيجابية لجائحة كورونا، حيث تم تسخير كل إمكانياتها من أجل الاستفادة مما يمتلكه البلد من قدرات وإمكانيات جغرافية وطبيعية تساعدها على التقليل من الخسائر المادية، وتوفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين، يكشف لنا حقيقة الترهل الإداري الذي كان يسود بهذه المؤسسات وعدم رغبتها في العمل، إلا أن الظروف الحالية كان لها التأثير الإجباري من أجل القيام بالواجبات الوطنية، الأمر لم يقف عند هذا المستوى بل إن العديد من الإجراءات البيروقراطية التي كانت موجودة بالمؤسسات الحكومية وتمارسها تجاه الشباب العماني تم التخلص منها، وهذا الأمر هو الذي دفع الشباب من أجل الابتكار وصناعة مواد تساعد البلد على تجاوز المحنة الصحية، مما يوجه النظر على أننا نمتلك القوى البشرية القادرة على الابتكار والتفكير وقت الأزمات، ولكنهم بحاجة إلى منحهم الفرصة والدعم المادي والمعنوي من أجل الانطلاق في أفكارهم، الأمر الذي يوجه نحو إعادة تجديد المؤسسات الحكومية بالقيادات الشابة التي تمتلك الحس الوطني والرغبة في الإنجاز، لأننا نعاني من الركود الفكري والقيادي في العديد من المؤسسات الحكومية والتي بعضها عجز حتى الآن عن إعادة العمل لمؤسساته بالرغم من مرور أكثر من شهر ونصف على الإجراءات الاحترازية، في حين أن البعض أوجد بدائل من أجل تسيير العمل وتقديم الخدمات للفئات المستهدفة.

فالعودة إلى العمل من جديد أمر لابد منه في ظل التداعيات الاقتصادية والإجراءات الاحترازية التي تسبب فيها جائحة كورونا، فالخسائر المادية تطال كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية، والتعليمية، وكل ما يتعلق بالعمل الإنتاجي والفكري، فما تمَّ القيام به من إجراءات لها تأثيرات كبيرة على مستقبل الوطن، والعودة إلى تغطية تلك الخسائر لن يكون بذلك الأمر السهل، مما يدفعنا إلى إعادة التفكير أولاً في نمطية الحياة التي ينبغي أن تتغير حتى يتم إعادة العمل في العديد من القطاعات، والسؤال الآن الذي لم يتمكن الخبراء والمختصون في مجال الصحة من الإجابة عليه، هو متى سوف نعود؟

القرار يرتبط بالحالة التي تكون فيها صفر من الإصابات ثم تأتي مرحلة التأكد من اختفاء المرض، ولكن متى سوف يكون ذلك؟ كل التوقعات حاليا لا تستطيع الإجابة على هذا السؤال نظراً لزيادة الكبيرة في عدد الإصابات في العالم والتي تزيد عن 2.3 مليون مصاب، مع أكثر من 160 ألف حالة وفاة، وانتشار كبير يغطي معظم دول العالم، مع عجز تام لاكتشاف علاج لهذه المرض، فالبشرية تمر بمرحلة لا يعرف مصيرها ولا متى تنتهي، ولذا ينبغي أن نفكر في كيفية إعادة التشغيل بصورة تدريجية مع بقاء الإجراءات الاحترازية خاصة بعض القطاعات المهمة، والتي يمكن تشغيلها بالاعتماد على التقنيات والتطبيقات الحديثة، مع التضحية بالعديد من معايير الجودة في سبيل إعادة تشغيل هذه القطاعات بما يساعد على الاستمرارية والتقليل من الخسائر المادية.

إن المرحلة التي نعيشها بالرغم من كل الخسائر المادية التي يتم تكبدها بصورة يومية، تعود بناء إلى سؤال يطرحه الرأي العام، لماذا لم نستفد من كل المقدرات الوطنية سابقاً؟ أين كان هؤلاء الذي يظهرون اليوم في الإعلام عن القيام بأعمالهم سابقًا؟ لماذا حجموا هذا الوطن وجعلوه يعتمد على الآخرين؟ في حين أنه يمتلك كل القدرات والإمكانيات الطبيعية التي تساعده على الإنتاج والعمل. كلها أسئلة تضع اليوم أمام أصحاب القرار من أجل إعادة هيكلية هذه المؤسسات الحكومية بالكفاءات الوطنية المخلصة التي تستطيع أن تحرك هذه المؤسسات وتعيد لها الإنتاجية من جديد.