عبيدلي العبيدلي
على المستوى المفاهيمي يربط البعض بين "استخدام مصطلح (النظام العالمي الجديد) و(بروز الرغبة في تدشين مرحلة) جديدة من التاريخ تدل على تغيير جذري في الفكر السياسي العالمي وتوازن القوى. وعلى الرغم من التفسيرات المختلفة لهذا المصطلح، إلا أنه يرتبط في المقام الأول بمفهوم الحوكمة العالمية فقط بمعنى الجهود الجماعية الجديدة لتحديد أو فهم أو معالجة المشكلات العالمية التي تتجاوز قدرة الدول القومية الفردية على حلها".
أما على صعيد التاريخ المعاصر، فيرجع البعض استخدام هذا التعبير إلى "نهاية الحرب الباردة، عندما استخدم الرئيسان ميخائيل جورباتشوف وجورج دبليو بوش هذا المصطلح في محاولة لتحديد طبيعة حقبة ما بعد الحرب الباردة وروح التعاون بين القوى العظمى التي كانوا يأملون أن تتحقق".
واليوم يتصاعد الجدل مرة أخرى، حول الأزمة التي يعاني منها النظام الدولي القائم. وتكثر السيناريوهات حول مكونات النظام الدولي الجديد الذي سيخرج من شرنقته. أوصل ذلك العديد من الباحثين، ومؤسسات الدراسات لتي تسبر أغوار العلاقات الدولية القائمة، إلى ما يشبه القناعة المطلقة أن النظام الدولي القائم، بات مهترئ، وغير قادر على الصمود في وجه التغييرات التي تعصف بالعالم، ومن ثم فهو مهدد بالانهيار أمام ضربات نظام دولي جديد، في مرحلة التكون، ويحاول أن يستبدله.
في هذا الاتجاه، يرى الأستاذ المشارك في جامعة كورنيل الأمريكية توماس بيبينسكي، وأستاذة العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في قسم العلوم السياسية بجامعة زيورخ ستيفاني والتر، في دراسة مشتركة قاما بها أن "العديد من المراقبين للسياسة العالمية المعاصرة (يعنبرون) أن اللحظة الحالية تمثل واحدة من أكثر الأوقات غير المستقرة في السياسة العالمية منذ سقوط جدار برلين. وتشير الأحداث الصادمة مثل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والنجاح المستمر للشعوبيين اليمينيين الراديكاليين في أوروبا القارية، وأزمة منطقة اليورو المستمرة، والعلاقات الخارجية غير المسبوقة لرئاسة ترامب، إلى نظام ليبرالي عالمي تحت الضغط. ويطرح علماء السياسة المقارنة والدولية والاقتصاد السياسي الآن أسئلة كانت تبدو بعيدة المنال قبل سنوات فقط: ما مدى ديمومة الأممية الليبرالية وتحالف شمال الأطلسي؟ هل سيحل المذهب التجاري الجديد محل النيوليبرالية؟ هل يمكن للبنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية فوق الوطنية أداء الوظائف المطلوبة منها؟"
وتمضي الدراسة قائلة، "يحدد هؤلاء المراقبون، ثلاثة مواضيع واسعة تتعلق بالتحديات التي تواجه كل من عالمنا السياسي، وعلماء السياسة الذين يسعون إلى فهم هذه التحديات للنظام العالمي المعاصر. الموضوع الأول هو أننا نعيش في عالم يتميز بما نسميه (ترابطًا معقدًا جديدًا). ونتيجة لذلك، يتطلب فهم السياسات المحلية. بل وتحمل المحلية في كثير من الأحيان ثقلا أكبر في التأثير على التفاعلات بين القوى المحلية والوطنية والنظامية. أما الثاني فهو، فهو ذلك النقاش المتصاعد، القوي الحضور بين المصالح والهويات كمحركات أساسية للسياسة والاقتصاد، لكن توليفة synthesis)) جديدة ستأخذنا إلى أبعد مما يمكننا أن نذهب عندما نصر على أن الاثنين بدائل صارمة. الموضوع الثالث هو أن هناك اختلافات مهمة بين (الأحداث الصادمة) في المملكة المتحدة والولايات المتحدة (تصويت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب الرئيس دونالد ترامب) وصعود الأحزاب اليمينية والشعبية في قارة أوروبا. وما هو أهم من ذلك، هناك أيضا استمرارية كبيرة تعبر عن هذه الحالات".
نجد التوقعات ذاتها، واضحة في كتاب "إعادة النظر في الإقليمية والنظام العالمي المعاصر وجهات نظر من دول البريكس BRICS)) وخارجها"، من تأليف ثلاثة ممن يشهد لهم في فهم العلاقات الدولية القائمة، وتعقيداتها، هم المحاضرة وكبيرة الباحثين في معهد تامبيري لأبحاث السلام، بجامعة تامبيري، في فنلندا، الدكتورة إليس فيرون. والأستاذ الفخري في كلية الإدارة بجامعة تامبيري بفنلندا البروفيسور جيركي كاكونن. والأستاذ المشارك والباحث في جامعة فلومينينسي الاتحادية، بالبرازيل غابرييل راشد.
ويرد في مراجعة مقتضبة لهذا الكتاب أنه "يحلل بشكل نقدي التغيرات الجارية في ديناميكيات التعاون الإقليمية، بما فيها تلك التي تحدث داخل الأقاليم، والعالمية، من منظور متعدد التخصصات. ويستند إلى البصيرة التي مفادها أنه في عالم ما بعد الهيمنة، يمكن فصل تكوين المناطق وعملية العولمة إلى حد كبير عن مدار الولايات المتحدة، وأن تعددية القوة ووجهات النظر العالمية قد حلت محل الهيمنة الأمريكية. وعلى الرغم من هذه التغييرات، لا تزال معظم التحليلات الحالية للتغيرات المطبقة على النظام العالمي تعتمد على النهج المتمحورة حول الغرب. ويقترح الكتاب تطوير فهم عالمي حقيقي لعالم ما بعد الهيمنة. ويستكشف الكتاب أسئلة مختلفة، على سبيل المثال "حالة ودور البريكس في النظام الدولي المتغير؛ وكيف يمكن لبلدان الجنوب العالمي استخدام الإقليمية لتغيير النظام العالمي القائم؛ وجهات النظر العالمية المتنافسة التي تظهر نفسها في التنوع المؤسسي للإقليمية؛ والأهم من ذلك، كيف تدفع كل هذه التغييرات العلاقات الدولية كمجال لتصبح أكثر عالمية، أو على الأقل لتجاوز التفكير القائم على مخرجات اتفاقية ويستفاليا(Westphalian)، وبالتالي إعادة دور التعددية إلى المناقشة".
من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية في مركز روبرت ورينيه بيلفر بكلية كينيدي في جامعة هارفارد، ستيفن والت، "أن عالم العام 2025 سيكون "واحداً من القطبية المتعددة غير المتوازنة. (كما ان) نظام اليوم ليس نظامًا ليبراليًا (عدد من الجهات الفاعلة الرئيسية ترفض القيم الليبرالية)، ولن يكون عام 2025 كذلك. وستظل الولايات المتحدة هي الممثل الوحيد الأكثر أهمية على هذا الكوكب، لأنه لن تمتلك أي دولة أخرى نفس المزيج من النفوذ الاقتصادي، والتطور التكنولوجي، والقوة العسكرية، والأمن الإقليمي، والديموغرافيا المواتية. لكن هامش تفوقها سيكون أصغر مما كان عليه من قبل، وستظل البلاد تواجه مشاكل مالية طويلة الأجل وانقسامات سياسية عميقة. ستكون الصين القوة الثانية في العالم (وستتفوق على الولايات المتحدة في بعض الأبعاد). يليها عدد من اللاعبين الرئيسيين الآخرين (ألمانيا، اليابان، الهند، روسيا، وما إلى ذلك)، جميعهم أضعف بكثير من الدولتين القياديتين.
ويتوقع والت، أن العالم "سوف يشهد واحدة من أهم التحولات على الإطلاق في تاريخه. مع صعود الصين والانهيار المطرد للولايات المتحدة، سينمو شعور عام بعدم الأمان والخوف من المستقبل والمجهول. لا يعد التغيير فترة مريحة أبدًا بسبب الاضطراب الذي يولده في كثير من الأحيان. لن تكون العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هي نفسها على الإطلاق، لكنها لن تنتهي في الحرب، كما يتوقع البعض. الصين ليست روسيا. انتهت الحرب الباردة في العام 1989، على الرغم من أن البعض لا يزال يستفيد منها".