المواطن أولا مع "كورونا"

فايزة سويلم الكلبانية

Faiza@alroya.info

برهنت قرارات اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا على مدى كفاءتها ودقة مسارها من حيث التوقيت والفئات المستهدفة؛ حيث وضعت نصب أعينها أنَّ المورد البشري وصحته الأساس والتدابير الصحية التي تكفل حماية الإنسان أولاً، المواطن والمقيم، بالرغم مما لحق بالوضع الاقتصادي من تأثيرات شديدة.

لا ننكر جميعنا أنَّ هناك قلقا كبيرا يخيم على الصعيد الاقتصادي للبلد، وأن تبعات كورونا علينا اليوم لا نبالغ إن وصفناها بـ"العنيفة"، وأنها أسهمت في زيادة التحديات الاقتصادية بالبلد، والذي بالكاد كنَّا نترقب أن يتعافى من تبعات أزمة تراجع أسعار النفط، ليأتي تأثير انتشار فيروس كورونا ليكون له تبعات أكثر عنفًا وحدة. فجاءت حزمة التسهيلات والإجراءات الاقتصادية السريعة التي تضمنها بيان اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا إلى دعم استدامة أعمال مؤسسات القطاع الخاص والعاملين فيها وتعزيز قدرتهم على التكيف مع الأوضاع الاستثنائية الحاليّة.

(2)

إنَّ المؤشرات الاقتصادية التي نطالعها يومياً من تراجع الأسواق المالية، والأنشطة الاقتصادية، وانهيار الثقة في صمود القطاع الخاص لفترة ليست طويلة أمام توقف الأعمال والإنتاجية، والصراعات التي تفتقد لأي تعاون دولي، تكدس الباحثين عن عمل الذي سيضاف له الآلاف ممن سيفقدون أو قد فقدوا وظائفهم ومصادر رزقهم، جميعها مؤشرات على أن الاقتصاد ينهار وينزلق إلى الهاوية وقد تكون المرحلة القادمة أكثر حدة وعنفا، ولذا من الضروري الالتزام بالقرارات الصحية والتدابير التي تصدر الجهات الصحية المختصة، لتحقيق الهدف في المحافظة على الأرواح البشرية في وقت زمني قياسي من خلال تعليمات الحجر الصحي والتباعد الجسدي، لنتمكن من العودة للأعمال وإنعاش الحركة الاقتصادية، والتي لن يدفع ثمن انهيارها إلا نحن أنفسنا من التبعات السلبية المترتبة على ذلك، فاليوم نواصل مسيرة التلاحم والتكاتف بين القطاعين الحكومي والخاص لتخفيف أعباء أزمة كورونا على الجميع حكومة وشعباً، ليساهم الجميع في الوصول إلى حلول استثنائية للخروج من هذا النفق الذي لا نعرف له نهاية واضحة.

(3)

الكثيرون يقولون اليوم "شكرًا.. كورونا" لأنك كنت السبب الرئيسي في تسريع اتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية للحد من تأثيرات التدابير الاحترازية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، التي نلمسها اليوم بعد انتظار دام طويلاً بالرغم مما ترتب من تداعيات على أزمة تراجع أسعار النفط إلا أنها لم تر النور آنذاك، والتي تخدم مؤسسات القطاع الخاص والقوى العاملة فيها، ووضع آليات لتخفيف تبعات الأزمة عليهم، إلى جانب التوجيهات للوزارات والوحدات الحكومية والعسكرية والأمنية التي أصدرتها وزارة المالية لتحقيق الاستقرار وتعزيز الاستدامة المالية، والتي تتمثل في خفض المصروفات التشغيلية والإدارية لعام 2020 للشركات الحكومية بنسبة 10%، وتشمل كافة بنود المصروفات دون استثناء بما فيها الرواتب وامتيازات الموظفين، وتخفيض الموازنات لكافة الوزارات والوحدات الحكومية بنسبة 5%، والالتزام التام بالموازنة المعدلة، وإعادة ترتيب أولويات الصرف دون طلب اعتمادات إضافية، إلى جانب وقف منح العلاوات الاستثنائية لكافة الموظفين بالوزارات والوحدات الحكومية، وكذلك الحال بالنسبة للوحدات العسكرية والأمنية.

(4)

في ظل "كورونا"، فإنَّ الصدمات الاقتصادية والصحية والاجتماعية نجدها متوازية وعالمية لدى جميع دول العالم، ولكن تتفاوت درجات الخطوره لتبعات كورونا، وفقاً لسياسة خطة إدارة الأزمة التي تتفاوت من دولة لأخرى، فالاقتصاد الأمريكي اليوم مع ارتفاع أعداد الوفيات والبطالة والتي فاقت ما واجهته الصين، إلى جانب ذلك سوق الأعمال أصبح مشلولاً بشدة كما هو الحال في نيويورك وغيرها من الولايات، مع تعطل الخدمات والأنشطة الصناعية وتوقف أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل النسبة الأكبر من الاقتصاد الأمريكي بالرغم مما تم ضخه لإنعاش الوضع، ويعتزم الرئيس دونالد ترامب التوجه نحو "فتح الاقتصاد" ضاربا بالأرواح البشرية عرض الحائط، لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي. لكن هل ستنجح الصين- بفضل انتعاشها الاقتصادي- في قيادة التعافي لمعظم الاقتصادات العالمية؟!

أخيراً.. مما لا شك فيه أن اقتصادنا الوطني يتأثر بما يحدث للاقتصاد العالمي، والمؤسف أنَّه ومع جائحة كورونا فإنَّ كل الاقتصادات قد تصل إلى أسوأ مراحلها، والخوف من أن تصل تبعاتها إلى الهاوية حتى نجد أنفسنا أمام وضع غير مسبوق على الإطلاق، لم نحسب له حسابا نتيجة لبعض القرارات الصارمة التي قد تجبر البعض من الدول التي كنَّا نصفها بــ"الكبرى" لتحمي مصالحها ضاربة بالقوانين الدولية وغيرها عرض الحائط، واضعة نصب أعينها إنقاذ اقتصاد بلادها فقط لا غير.