درس "كوروني": ترشيق سكان الخليج

 

غسان الشهابي

كاتب بحريني

قد يكون من نافلة القول أنّ كل تحدٍّ يأتي أيضاً بالفرص، والسعيد من تعلم وأخذ حظاً من هذه التحديات وفرصها، بدلاً من الاكتفاء بصدها، وما أن تنجلي، ثم يمسح عرقه ويعود إلى مزاولة حياته كما كانت، وكأنّ شيئاً لم يكن. والناظر إلى واقعنا، يجد أننا كررنا هذه المسألة مرات ومرات في حياتنا الشخصية أو الوطنية، ولم نستفد من الدروس التي مررنا بها واحدة من أهمّ الدروس الكورونية، هي – استمرار لحديث الإثنين الماضي –العمالة الأجنبية، ولا أتحدث عن أيّ عمالة أجنبية، ولكن الزائدة عن الحد والحاجة منها، فهناك زيادة كبيرة جداً في هذه العمالة التي تعاضد فيها – بحسب الاعتقاد المؤيَّد بالدراسات – المتاجرون بالرقيق الجديد في القرنين العشرين والحادي والعشرين، مع من يبنون البنايات والأبراج والعمارات الشاهقة ويُريدون من يملأها ويكلأها برعايته، حتى تدرّ عليه الأموال، فالقصد ليس العمالة الرخيصة وذات المهارات المنخفضة وحسب، بل كل أنواع العمالة الزائدة التي وسّعت رقعة الجشع، وزادت نهم الآكلين.

هذه الأزمة أرتنا– من ضمن ما أرتنا– إمكانية العمل بجهد بشري أقل، وعدد محلات تجارية أقل، وتكدس بشري أقل، وفوضى أقل، وازدحام أقل. إنِّها فرصة من له عزم اتخاذ القرارات المُناسبة في هذه المنطقة تحديداً لترشيق عدد السكان، بدلاً من الاستثمارات التي لا أفق لها في الخدمات الأساسية والبنية التحتية وغيرها، وكما عبّر عنها المفكر البحريني علي محمد فخرو منذ زمن بعيد بقوله: "إننا جلبنا عمالة لتبني لنا مدناً، وعمالة أخرى لتبني مدناً للعمالة الأولى"، وهكذا تناسل الحاجات غير الحقيقية للعمالة حتى مالت الكفة في أكثر الدول الخليجية لتكون العمالة الوافدة أكثر من سكان البلاد، ولو فتشنا لوجدنا أنَّ ترهّلات هذه العمالة أكبر بكثير من الحاجة إليها.

وحتى أضرب مثلاً واقعياً من مملكة البحرين، وأغلب الظن أنَّه ينطبق على أكثر دول الخليج العربية إن لم يكن كلها، حيث تسود فوضى فتح المحلات التجارية، كالبقالات، والمطاعم التي لا يختلف أولها عن آخرها، وخدمات كي الملابس، والشاي الكرك، وصالونات الحلاقة الرجالية التي باتت أكثر من مثيلاتها النسائية، وتكدس المحال المتشابهة في الشارع الواحد، بلا فرق تنافسي في نوعية الخدمة ولا طريقة العرض ولا الأسعار ولا أي شيء آخر.

وإضافة إلى هذا التكدس البشري، فإنَّ المنطقة تنزف من أكثر من مكان في جسدها، بتهاوي أسعار النفط، والأزمات المتلاحقة، إضافة إلى ذلك التحويلات المالية من العمالة الوافدة إلى الخارج، حيث بلغت في العام 2012، ما مجموعه 80.8 مليار دولار أمريكي[1]، وقفزت بعد أربع سنوات فقط إلى 111.5 مليار دولار في 2016، وهو ما يُشكل 32.6%من مجموع تحويلات المهاجرين في العالم البالغة 342.1 مليار دولار في نفس العام[2]، أي أن تحويلات العمالة الوافدة في المنطقة وحدها، تساوي تحويلات العمالة الأجنبية في كل من الولايات المتحدة وسويسراً وفرنسا ولوكسمبورغ، معاً! وارتفع هذا الرقم إلى 122 مليار دولار في العام التالي[3]، فإذا فشت الحكومات الخليجية في استقطاب هذه الأموال وتشغيلها في الأسواق المحلية، والتخفيف من الدين العام الذي يُحاصر أكثر من دولة خليجية، فلا أقل من التخفيف من هذا النزف!

إنِّها فرصة مهمة وغالية للمراجعة من دون تعسف ولا إضرار بالعمالة الوافدة، لأن التريث الأطول زمناً إضرار بالوطن ومستقبله.

 

 

 

[1]  محمود مراد، النمو السكاني ومتطلبات التنمية في دول مجلس التعاون، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2015.

[2]  المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون، آخر التطورات في الاقتصاد الكلي وتنويع مصادر الدخل وسياسات ضبط المالية العامة وسوق العمل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، سبتمبر 2017.

[3]  جعفر الصائغ، ماذا يعني ارتفاع حجم التحويلات المالية؟، صحيفة "أخبار الخليج"، البحرين، 23 أبريل 2019.