ورحل العم سالم الفيروز

عبدالله العجمي

يشعر المرء باليتم إذا ما فقد عزيزاً كان بمثابة الأب والصديق والأستاذ والأخ.. بل وحتى عندما يعيش هذا الإنسان بعده ويكبُر سنّه، فإن يشعر أمام فقد شخض بهكذا مكانة أنه فقد الطاقة المتعددة الأبعاد في حياته، تلك الطاقة التي كانت تُحرّكه وتتحرك معه، بعدما كان يعيش في كنفها طفلاً وشاباً وكهلاً في نفس الوقت، يستقي منه خلاصة تجاربه في هذه الحياة، لذلك فإنه بعد فقد شخص يتقلّد هذه المراتب كلها، فلا ضير أن نُعزّي الحياة بفقده، نعزيها لفقدها تلك الجذوة المتوهّجة والفياضة والمتجذّرة في أرواح من عايشوه لتبقى تعطيهم من عناقيد حكمتها حتى بعد ممتاه.

إن الكتابة عن شخصية كالمرحوم العم سالم بن سليمان الفيروز ذات الأبعاد المتعددة والنشاطات المتنوعة والعقل المنفتح هي من الصعوبة بمكان.

فمن نشأةٍ طفوليةٍ تتسم بحدّة الذكاء، إلى شابٍ واعٍ لكل ما يدور حوله، إلى كهولة كانت أهم خصالها تعميق منهجية التجديد والتغيير لسلبيات الواقع المحيط به ليواكب متطلبات العصر، إلى مرحلة الشيخوخة التي كانت تتحرك على خطّ العطاء المتواصل على كل الأصعدة، وكل تلك المراحل عَبَرَتْ جميعها على جسر التواضع الدّال على عمق إنسانيته، تلك الانسانية المنغمسة في الحسّ العميق بالمسؤولية الاجتماعية والوعي بأهمية التكاتف بين جميع شرائح المجتمع الإنسانية التي رفعت من شأنه في محيطه، والتي كانت منفتحة على إنسانية من حوله، لتنبثق منها مبادرات خيريّة وتربوية لا تعدّ ولا تُحصى أضفت عليه تلك الروحانية الصافية الممتزجة بصفاء القلب ونقاء السريرة.

كان- رحمه الله- عندما يحاول من يحدثه أن يلملم ملامح شخصيته، فإنه يدرك أنه على ضفاف شخصية تمتد ملامحها من رواسخ ترفد الناس فيما يحتاجونه، تحلّق في سماء الألفة والعطاء، منفتح على مشروع فكريّ مفعم بالعمل والتسامح والانفتاح على الغير؛ حيث لم يكن الفقيد محدوداً في إطار قرويّ أو قَبَليّ، بل كان قلبه ينبض بالتعايش، وتتدفق منه روح المحبة على الجميع، مثلما كان يتدفّق في أبعاده الإنسانية جميعها.

كان العم سالم- رحمه الله- كياناً عصامياً مستقلاً بذاته، مهتمٌّ بالطفولة اهتمام رعاية وتربية، وبالشباب اهتمام توجيه وتعليم وتنمية، وكانت بعض الحوائج برغم صغرها؛ كبيرة في عينيه باهتمامه بقضائها. وقد ارتقى بواقع مجتمعه إلى مستويات عالية من الوعي والثقافة والإحساس بالمسؤولية على كل الصُّعُد.

حزنُنا لا تسعفه المفردات وتضيق أمامه العربية- على سعتها- في وصفه، فثمّة أحزان لا قِبَلَ للعربية بالإفصاح عنها، وما لا تعبّر عنها المفردات، لا يُدرَك إلا بالصمت.

سنفتقدك يا أبا عادل؛ وسنفتقد نصائحك وجرأتك في قول الحق.. سنفتقدك وعبراتنا تتسابق في نفق الغياب.. سنفتقدك ودموعنا تتساقط من غيوم الأسى واللوعة لفراقك.. رحمك الله رحمة الأبرار، وحشرك الله مع نبينا محمد وآله الأطهار.