شكرًا "كورونا"

 

د. أحمد عبدالكريم‎ بن عبدالله

شكرا لله الخالق العظيم الذي أرسل لنا هذا الفيروس الصغير ليختبرنا ويختبر إيماننا به، وبما وهب لنا من نعم كثيرة، وليختبر القدرات الكبيرة التي وصلت إليها البشرية أمام قدرته عز وجل، وليقول لنا إنَّ هذا الفيروس المخلوق الضعيف الذي لا يُرى بالعين المجردة يُمكن أن يطيح بإمبروطوريات مدججة بالعلم والسلاح. حقاً وجب الشكر لـ"كورونا" الذي عرَّف البشر بقوتهم الحقيقية، فلم تهزمه صواريخهم ولا طائراتهم ولا قنابلهم ولا حتى أعتى قواتهم، لقد قال الله سبحانه: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، وتقول الحكمة: "رب ضارة نافعة".

فشكراً لك "كورونا" لأنك نبَّهت العالم أجمع، وعلى رأسه الدول الصناعية العظمى التي تحدَّت الكون بقدراتها وإمكانياتها وجبروتها، بأنها لن تستطيع أن تقف أمامها أي قوة. متبجحة بوصولها إلى القمر وبتفوقها العلمي والتكنولوجي والسلاح والذكاء الاصطناعي وغيرها، ورأت في نفسها قوة جبارة لا تضاهيها قوة ولا تدانيها ملكوت، ولكنها تناست قوة الله الخالق الجبار الذي ليس كمثله شيء وهو السميع العليم القائل: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"؛ فكم تباهى قبلهم من ملوك وجبارة وأمم فأصبحوا كالصريم لا قوة لهم ولا حيلة أمام قوة الله وجبروته.

شكراً "كورونا" لأنك نبَّهتنا كدول وشعوب كم نحن مُتأخرين صناعيًّا وتنمويًّا واقتصاديًّا، وكم نحن مُتخلفين عن ركب العالم المتقدم بقدراتنا وإمكانياتنا العلمية والعملية، وكم نَحن معتمدين على غيرنا في أي شيء وفي كل شيء.

شكراً "كورونا" لأنَّك ساويت بين الغني والفقير، والمسؤول والمواطن البسيط، وبين الأبيض والأسود، والعربي والأعجمي؛ فلا طبقات ولا ألوان ولا أثنيات ولا غيرها، الكلُّ سواسية أمام هذه الجائحة ومتعاونون في مواجهتها في خندق واحد.

شكراً "كورونا" لأنك علَّمتنا أن نعطِي للأمور قيمتها وأهميتها، وأن نُعيد تفكيرنا في مستقبلنا، ونرتب أولوياتنا، وننظر إلى الأمور بتمعُّن واهتمام ومسؤولية، ومن وجهات وزوايا مختلفة.

شكراً "كورونا" لأنك علمتنا وبيّنت لنا أيضاً:

- أنه لا أحد في مأمن من هذا الوباء؛ فالكل سواء أمام هذا التهديد.

- صِغَر وضَعف العالم المتقدم أمام قوة الله وقدرته مهما بلغ من العلم والإمكانيات.

- أثبتت لنا خطأ نظرية المؤامرة.

- بينت لنا حرص القيادة على أمن وسلامة المواطنين وتوفير السبل الكفيلة بذلك.

- أثبتت لنا وحدة الشعب العُماني وتعاونهم وقوة ثقتهم واصطفافهم خلف قيادتهم واستجابتهم للتعليمات وتوجيهات الحكومة، وحسهم الوطني الكبير عند حاجة الوطن.

- بيَّنت لنا أن التعاون والتكاتف هو السبيل الوحيد لمواجهة الأوبئة والمخاطر الكبيرة.

- بيَّنت لنا أهمية ونجاح الأسلوب القيادي بتعاون وروح الفريق الواحد في إدارة الأزمات والطوارئ.

- بيَّنت لنا مدى اهتمام الحكومة بالقطاع الخاص ودعمه ورعايته.

- بيَّنت لنا مدى وعي المواطنين وتعاونهم عندما تصلهم المعلومات بكل شفافية ووضوح.

- بيَّنت لنا مدى عظمة وأهمية عمل الطبيب والقطاع الصحي وضرورة دعمه ورعايته.

- بيَّنت لنا أهمية التخطيط الإستراتيجي ودور الإستراتيجية الاستباقية في تحديد وتجهيز الاحتياجات اللازمة قبل وقوع الأزمات والأحداث.

- بيَّنت لنا أهمية التخطيط والتنفيذ السليم مع الرقابة والمتابعة أولًا بأول.

- بيَّنت لنا أهمية التنسيق والتكامل بين عمل مؤسسات وأجهزة الدولة ودور المحطة الواحدة في تنظيم وسرعة الإنجاز دون ازدواجية أو تأخير ووفق معايير ورؤية واحدة.

- بيَّنت لنا أهمية بث روح الثقة والطمأنينة مع متابعة الإنجاز والتحرك لإيجاد الحلول مهما كان حجم المشكلة.

- بيَّنت لنا أهمية عدم خصخصة القطاعات الأساسية في الدولة التي تخدم المواطن مباشرة كالصحة والتعليم والماء والكهرباء.

- بيَّنت لنا أهمية ودور التكنولوجيا في التعليم وإدارة الأعمال عن بُعد.

- بيَّنت لنا أهمية ودور التكنولوجيا في التجارة الإلكترونية وخدمتها بالنسبة للمستهلكين.

- بيَّنت لنا أهمية الاستجابة ودور التعاضد والتعاون والمواقف الوطنية عند حاجة الوطن.

- بيَّنت لنا سلبية الانفراد بالرأي والتأخر في اتخاذ القرار ونجاح وفاعلية العمل الجماعي ونتائجه الإيجابية في اتخاذ القرارات الحاسمة والسريعة لمعالجة الأزمات.

- بيَّنت لنا حاجة الفقراء والمتعثرين الذين ليس لهم دخل ثابت يعتمدون عليه.

- بيَّنت لنا مدى غياب التقارب والالتقاء الأسري ورجعتهم إلى الجلوس في البيت وإلى أهمية التواصل والتجمع الأسري.

- بيَّنت لنا أهمية الإسراع في تنفيذ إجراءات التنويع الاقتصادي للدخل القومي بدل الاعتماد على مصدر واحد للدخل وهو النفط.

- بيَّنت لنا حجم الضعف في نسبة اكتفائنا الذاتي وأمننا الغذائي واعتمادنا الاقتصادي على الغير في استيراد احتياجاتنا الأساسية من الخارج وضعف إنتاجنا وصناعاتنا الوطنية مع ضرورة تطويرها.

- بيَّنت لنا أهمية النظافة وضرورة غسل اليدين والتمسك بأداء أركان الوضوء والإسلام حفاظًا على صحتنا.

- علَّمتنا ضرورة الاعتماد على أنفسنا في كل شيء، وأهمية تطوير البحث العلمي والإبداع والابتكار وتطبيقها.

- بيَّنت لنا سوء تخطيط وعشوائية القوى العاملة الوافدة وسلبيات وخطورة التجمعات السكانية للوافدين وضرورة إعادة النظر فيها وتنظيمها.

إضافة إلى عدد من النقاط والملاحظات التي لم يُسعفنا المكان لذكرها، مع إيماننا الصادق بحجم وأهمية ما تم تحقيقه من منجزات ومكتسبات عظيمة للعهد الزاهر لجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وجب الحفاظ والبناء عليها وتطويرها.

وفي الختام.. نتمنى أنْ لا تمر علينا هذه الأزمة العالمية، والتجربة الفريدة، دون أن نخرج منها بدروس وتوصيات مفيدة لحاضرنا ومستقبلنا الشخصي والمجتمعي والدولي والإنسانية أجمع، وأن نستخلصَ منها المواعظ والعِبر التي تعزز خططنا الإستراتيجية والتنموية بشكل عام.