عُمان.. وفيروس الفرص والحلول "كورونا"

 

حمد بن سعيد الرحبي

Oman99433@gmail.com

قد يتعجَّب البعضُ عن تسمية فيروس (كوفيد 19- كورونا) باسم فيروس الفرص والحلول، وسوف أعرِّج على هذه التسمية عزيزي القارئ لاحقا، وأودُّ في البداية أن أتناول هذا الحدث الذي هزَّ العالم من الصين إلى الولايات المتحدة من حيث السياق والدلالات.

فكما هو معلوم أنَّ أول ظهور لهذا الفيروس كان من خلال إصابة رجل يبلغ من العمر 55 عاما من مقاطعة هوبي، التي تنتمي إليها ووهان الصينية، وذلك بتاريخ 17 نوفمبر 2019م، بعدها بدأ بالانتشار، كما تنتشر النار بالهشيم، من مقاطعة إلى أخرى، ثم من دولة إلى أخرى، ولكن ما يهمُّنا أكثر في هذا الأمر هو تفسير أهم أسباب انتشار هذا الفيروس في العالم بهذا الشكل المرعب، وهو أنَّ العالم لم يكن مُوحَّداً بالشكل المطلوب لمواجهة هذا الفيروس كمثل بقية الأزمات التي مرت سابقا؛ مثل: فيروس الإنفلونزا H1 N1 مثلا؛ فكل دولة تريد أن تنجو بنفسها، وكل دولة تريد أن تجد لقاحاً أو علاجاً بنفسها؛ فيكون لها السبق في ذلك، وهذا ما يفسر التسابق المنفرد للدول الكبرى لإيجاد اللقاح أو العلاج، وكل هذا بسبب التفكير في الربح المادي على حساب الآخرين، ولم يُعقد أي اجتماع أو مؤتمر دولي وعالمي لمواجهة هذا الفيروس في بداية انتشاره لتوحيد الجهود والتنسيق المشترك بين دول العالم، كان ذلك ما يتعلَّق بالبُعد العالمي، وأنتقل بك عزيزي القارئ إلى البعد المحلي؛ فالحمدلله أودُّ الاشادة بالجهود التي بُذلت وستبذل خلال الفترة المقبلة من قبل الحكومة الرشيدة أو من أفراد المجتمع العماني والمقيمين؛ من خلال تشكيل لجنة عُليا لمواجهة هذا الفيروس التي أصدرت عددًا من القرارات الحاسمة والموزونة والمتدرجة في نفس الوقت، وكذلك تفهم وتعاون أفراد المجتمع العماني والمقيمين على هذه الأرض الطيبة للعزل المنزلي والتباعد الاجتماعي أو الأحرى التباعد الجسدي، وإرشادات الوقاية من هذه الفيروس، وهذا ما يفسر انخفاض منحنى الإصابات والوفيات في السلطنة مقارنة بالدول المجاورة خلال الفترة الماضية.

وعوداً على بَدء عزيزي القارئ، لتفسير سبب تسمية هذا الفيروس بفيروس الفرص والحلول؛ وهو أنَّه أظهر نقاطًا إيجابية فيها فرص وحلول، ولفت الانتباه إلى نقاط يجب إيجاد حلول عاجلة لها؛ فمثلا من النقاط الإيجابية على سبيل الذكر لا الحصر أولا تكاتف وتعاون أفراد المجتمع، ووعيهم لمواجهة هذا الفيروس، وهذا ليس بغريب على المجتمع العماني؛ فنحن نجحنا معاً لمواجهة عدد من الأنواء المناخية التي عصفت بالسلطنة، وقبلها توحَّدنا معاً لمواجهة عدد من الصعاب والتحديات من بداية عصر النهضة المباركة، كما توحدنا معاً تحت راية جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- قبل أشهر هذا من جهة، ومن جهة أخرى تبين لنا أنَّ مستوى الخدمات الصحية في السلطنة والأطباء العمانيين والعاملين في هذا القطاع مستوى متقدمًا، وهذا ما يفسِّر حصول السلطنة على إشادة من قبل منظمة الصحة العالمية في هذا المجال، كذلك قدرة الشباب العُمانيين على ابتكار حلول لموجهة هذا الفيروس؛ من بينها: ابتكار جهاز للحد من انتشار هذا الفيروس، وابتكار جهاز للتنفس الصناعي، وكذلك ابتكار تطبيقات إلكترونية تساعد على تتبع المصاب بالفيروس، وتصنيع المواد الطبية محليًّا بدلا من أن تستورد، كل هذا خلال فترة لا تزيد على أسبوعين.. نعم، إنه العقل العُماني المبدع صاحب الحضارة العمانية المجيدة وبكل فخر والحمدلله.

وأيضًا من النقاط الإيجابية: إنشاء صندوق الوقف الصحي، ومشاركة أفراد المجتمع والقطاع الخاص لدعمه، ومن جانب آخر ظهور هذا الفيروس حفَّز لتطبيق التقنية الحديثة في المعاملات؛ مثل: الشراء الإلكتروني، وتحويل الأموال إلكترونيًّا، والتعليم الالكتروني، أو التعلم عن بُعد، الذي أتمنَّى أن نتقدَّم فيه أكثر، وصولاً للعمل عن بُعد، وهذا الأمر فرض نفسه على الواقع، وهو أمر صحي حتى نواكب التقدم الهائل الذي يشهد العالم في هذا المجال. ومن النقاط الإيجابية التي لا حصر لها -كما أسلفت- أنه جلس كل واحد منا مع أفراد أسرته؛ حيث كنا نشتكي من عدم توافر الوقت الكافي للحوار، واللقاء الأسري داخل نطاق البيت الواحد، واكتشاف مهارات وقدرات الأبناء وتنميتها.

أمَّا ما يتعلق بالجوانب التي لفت الانتباه إلى أهمية إيجاد حلول عاجلة لها؛ أولاً: أهمية التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على النفط؛ حيث -وكما هو معلوم- أنه صادف أزمة ظهور هذا الفيروس أزمة اقتصادية كبيرة وهي أزمة انخفاض أسعار النفط، وهنا أودُّ أن أستشهد بعدد من الحلول ذكرها أحد من الموطنين في إذاعة سلطنة عمان قبل أيام؛ من بينها: بناء مصافٍ للنفط بعدد أكبر في السلطنة لبيع النفط بسعر أكبر، بدلاً من بيعه بسعر الخام، ومراجعة اتفاقيات التجارة الحرة التي أدت لانخفاض رسوم الجمارك إلى أقل من النصف تقريبا، بعد أن كانت ترفد الميزانية العامة بأكثر من مليار ريال عماني، وكذلك مراجعة استشمارات الصندوق السيادي للدولة التي تمَّت خلال السنوات الماضية، والاستثمار داخل السلطنة بإنشاء استثمارات تتعلق بالصناعات البتروكيميائية، وإنشاء محطات تحلية للمياه التي تستخدم في الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي المحلي... وغيرها من الحلول. وأعتقد أن رؤية عمان 2040 رؤية واعدة وستحقق الكثير من هذه النقاط، لا سيما مراجعة القوانين والأنظمة، وترشيد الهيكل التنظيمي للوزارات...وغيرها، والتي أرى أنَّ الفرصة سانحة وملحة في نفس الوقت لتطبيقها بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أيَّده الله- الذي أشرف على تخطيطها؛ ولكن نحتاج فعلاً إلى عقول اقتصادية ذكية تفكر خارج نطاق الصندوق، وتبتكر الحلول من ركام المشكلات والأزمات.

تعليق عبر الفيس بوك