الرسالة الروحية لـ"كورونا"

 

فاطمة عبدالله خليل

لعلَّ من الغريب جدًّا أن يحمل حدثاً واحداً هذا الكم الرهيب من الرسائل، ولعلَّ ما أهَّل كورونا لتبوُّؤ تلك المكانة عالميًّا هو حجم الانتشار وعمق الضرر على كافة المستويات (صحية واقتصادية واجتماعية... وغيرها)؛ مما جعله مركز اهتمام الجميع؛ إذ توجهت إليه طاقات العالم بتركيزها عليه، فقوى واشتد عوده، وأصبح أكثر عمقاً وأبلغ في إيصال الرسائل المكتنزة، التي غصَّ بها حلق الكون لفترة ليست بوجيزة من الزمن.

ومن بين الرسائل الكورونية الكثيرة ومتعددة الأوجه: رسالة ذات بعد رُوحي ربما غفل عنها كثيرون، حتى رجال الدين والداعين إليه والوعاظ، اخترلوا الأمر بأنَّ كورونا جاء على هيئة "عذاب" أو "تطهير" للعباد جرّاء استفحال المعاصي وانتشاره والاستهانة بها.. ولكن: هل وقف أحد على الأمر من منظور روحي أعمق؟!!

عندما انتشرَ كورونا، ووصل بلداننا، تهافت الناس على الصيدليات للحصول على نصيبهم من المعقمات والمطهرات والكحول، فضلاً عن الكمامات والقفازات وفيتامين (C)، كإجراء وقائي عام اتَّخذه الناس ولا يزالون لمقاومة الفيروس. ورغم أنَّ هذا إجراء مهم بلا شك، لكنه كان فارغاً من المعنى الروحي الذي يجب أن يكون في صلب حياتنا على كل مستوياتها.

لقد انتشرتْ في مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر مجموعة من الدعاة، بعض الأحاديث النبوية وأدعية التحصين للوقاية من فيروس كورونا، وغيره من الأوبئة، ولعلَّ من المؤسف أن يكون بعضها مما ورد في أذكار الصباح والمساء من حيث لم يكن يلتزم به أحد كورد يومي، وفجأة أصبح من الأدعية المفضلة جرّاء الهلع والخوف من الوباء.. نحن هنا، لا نُنكر العودة إلى الجانب الروحي والاستعانة بالله؛ فذلك هو الأساس الذي نود التأكيد عليه، لكننا نريده أن يكون بُعداً فاعلاً وقائماً في حياتنا على الدوام وليس كإجراء وقائي أو أداة من أدوات إدارة الأزمة.

ممَّا لفتني أيضاً أنَّ ترديد هذه الأدعية لم يمنع الناس من استمرارهم في الهلع، والتعبير عن خوفهم بأشكال مختلفة، صحيح أنَّ من القلق أنواعًا إيجابية تتجلى قيمتها في ظروف الأزمات ومنها ما نعيشه الآن، ولكني أود القول أيضاً إنَّ القلق الذي يدعو للحرص مغاير تماماً للخوف والهلع القائم على الإيمان بالمسبب (فيروس كورونا) دون الإيمان الفعلي واليقيني برب الأسباب، أو تجاوز قدرته على الأول، وأعني الحديث هنا في العمق، وليس ترديد القول بإيماننا، وهو ما جعلنا نتهافت على الصيدليات أكثر من تهافتنا على المساجد منذ بداية الأزمة!!!

----------------

اختلاج النبض:

كورونا جاء ليُوقظنا لمستوى ما نتمتَّع به من وعي روحي، جاء ليكشف لنا أنَّ ما زال ثمَّة فرص للتغيير والتطوير والإصلاح، بعدما ينقشع عن عالمنا، فهل نحن مُقبلون على مُكاشفة حقيقية مع الذات قبل القول بإيماننا وعمق يقيننا بالله؟ هل سنُعيد النظر في تعميق صلتنا بربنا لتكون أساس الحياة؟ تلك رسالة أوجهها لنفسي قبل أن تكون للآخرين.

 

* كاتبة بحرينية وباحثة في الوعي الإنساني والروحي

تعليق عبر الفيس بوك