كارما

فاطمة عبدالله خليل

كاتبة بحرينية وباحثة في الوعي الإنساني والروحي

نتعاطى مع كثير من المفاهيم المُتعلقة بقوانين الكون، ونبحث عن ارتباطاتها في ديننا الإسلامي لنكون على مستوى أعلى من اليقينية بحقيقتها وفاعلية العمل وفقاً لها، ومن بين تلك القوانين الكونية الهامة والتي تمس كل منِّا شاء أم أبى، سعى لتفعيله أم لم يسعَ، قانون (الكارما)، ويقابله في الثقافة الإسلامية (قانون العدل الإلهي)، إذ يقوم هذا القانون على أنَّ كل ما تفعله في هذه الحياة تجاه الآخرين يعود إليك بالضرورة لا محالة، سواء كان ذلك شعورا وضعته في قلب أحدهم أو سلوكاً ترتب عليه جلب منفعة أو ضرر، كله يعود إليك بطريقة أو بأخرى بنفس المقدار الذي تسببت له فيه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

نتمتع في وقتنا الراهن بوقتٍ مُستقطع من أعمالنا وفرص لمُمارسة كثير من الأنشطة لعلها الفرصة السانحة لمُراجعة سلوكنا ومُمارساتنا مع الآخرين، وكيف يُمكننا إدارة علاقاتنا وما تتضمنه من تأثيرات على كل من نتعامل معه بصفةٍ مُباشرةٍ أو غير مباشرة، فالمتصيدون في المياه العكرة دوماً يخرج لهم من المزعجين والمؤذين في حياتهم كثيراً، ومن يسرق الناس في أموالهم أو ممتلكاتهم أو في أي حق من حقوقهم يظهر له في حياته من يسرقه أو أي حادثة تمحق ماله فيدفع ثمن ما أخذه من دون وجه حق، وكذلك قاطعي أرزاق البشر، يعيشون في التعتير مهما ظهرت في حياتهم من أموال، وربما تقطع أرزاقهم في وقت لاحق.

اليوم ونحن نتحدث عن موجة الهلع التي تنتاب العالم جرّاء ما يُقدمه بعض القائمين بالعملية الاتصالية الرسمية وغير الرسمية حول "كورونا"، إنما هو كارما ستعود إليهم إن كان تقديمها لم يكن له داعٍ أو ضرورة تُذكر، وسيمر كل من هؤلاء بحالة من الهلع أو الخوف بمقدار ما قدمه للآخرين.  ومن هنا تبدو بعض المهن التي تأخذ بعداً اتصالياً مع الآخرين أكثر خطورة من غيرها في هذا الجانب، كالإعلاميين والمُربين وكذلك خدمات الزبائن والعلاقات العامة وغيرها. حدثني أحدهم يوماً عن دوري ككاتبة، مشيراً إلى أني أجر خلفي كارما كل كلمة كتبتها وما أبقت عليه من أثر في نفوس القراء، فإن كتبت ما يُثير الكآبة والحزن فلي ذلك، وإن أثرت فيهم مشاعر الحب والبهجة والأمل فلي ذلك، وأمامي الاختيار.  رغم أنَّ ذلك أمر مخيف يدفعنا لمُراقبة سلوكنا مراقبة ذاتية وتوجيهه نحو الإصلاح والتعديل والتطوير بشكل مستمر، إلاّ أنه أمر غاية في الجمال ويترتب عليه كثير من الفرص التي يمكننا أن نصنعها لأنفسنا في الحياة من خلال ما نحن فاعلينه مع الآخرين في الحياة، سواء عرفناهم أو لم نعرفهم.

بالمختصر:

فلنجعل لدينا رصيد كارما ذهبي، بأبسط الوسائل؛ كلمة طيبة قد تترك أثراً طيباً في نفس أحدهم تعود لنا لاحقاً بطريقة جميلة جداً، أو هدية محبة، أو لفتة اعتذار لكسب العلاقات وليس لمجرد القول بخطئنا، وغيرها كثير، العطاء بكافة أشكاله المادية والمعنوية، له عظيم الأثر إذا ما أحسنَّا لعبة الكارما.  فلنلعبها صح.

تعليق عبر الفيس بوك