العالم ما بعد كورونا

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

مرَّ العالم بالكثير من النوائب في مختلف العصور من أوبئة وأمراض وكوارث طبيعية وحروب، ولكنه لم يتوحد في ألمه كما وحدته جائحة كورونا. والجائحة في التعريف الطبي هو الوباء المعدي والعابر للحدود إلى أكبر مساحة على وجه الأرض بسرعة انتشاره وتأثيره، بعكس الوباء والذي يحمل نفس الصفات والآثار ولكن خطره يبقى محصورًا في جغرافية بعينها.

على صعيد سلطنتنا الحبيبة درس كورونا كان بالنسبة لنا كدرس إعصار جونو عام 2007م، فكما باغتنا جونو وألزمنا بتعلم دروسه والاستعداد الدائم للأنواء المناخية والكوارث الطبيعية، وأنبثقت عنه لجنة وطنية دائمة للطوارئ والإسعاف، فكذلك الحال ألزمنا كورونا بتشكيل لجنة وطنية وزارية عليا لمتابعة كل مستجداته على الصعيدين المحلي والعالمي لحظة بلحظة واتخاذ القرار المُناسب حيال ما يستجد.

لاشك عندي أنَّ جونو وأخواته يتسببون بآثار ومخلفات مختلفة على صعيد مفردات التنمية وعلى رأسها البنية التحتية، ولكن كورونا أستهدف العنصر المحور والركيزة الأولى في التنمية وهو الإنسان، وتزامن بالنسبة لنا مع أزمة مالية سابقة تلتها انهيارات حادة لأسعار النفط فعظمت خسائرنا على الورق وعلى أرض الواقع كذلك. وكم كنت أتمنى وجود خلية أزمة موازية للجنة الوزارية مهمتها البحث والتقصي ورصد جميع آثار كورونا على الصُعد الاقتصادية والاجتماعية ومُفردات التنمية جميعها بلا استثناء، للخروج بعد المحنة بتقييم علمي شامل لنتائج قرارات اللجنة الوطنية بالتوازي مع حجم الأضرار، وأن تكون تلك التوصيات والرصد بمثابة ميثاق وخطة عمل للجنة وطنية دائمة للتعامل مع الأوبئة العابرة للحدود مستقبلا.

نحن اليوم على أعتاب دخل وطني لن يتجاوز في أفضل حالاته (مالم تحدث مُعجزة ما) الستة مليارات ريال أي نصف الدخل المتوقع، وهذا الرقم يعني تغطية بند الرواتب، بخلاف الخسائر الأخرى المتوقعة والتي ستظهر بعد جلاء الجائحة ونتيجة لإغلاق البلاد أمام كل حركة السفر والسياحة، وإغلاق الأسواق والمحال التجارية.

على الصعيد العالمي، يبدو أن جائحة كورونا ستغير الكثير من الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم، ولن يتوقف الأمر عند ذلك الحد فلربما تجاوزها إلى مفاهيم أخرى كالتحالفات ومفهوم المصالح، ومن تابع حالات كل من إيطاليا وصربيا واستنجادهما بالصين وكوبا وسط تخاذل وصمت الحلفاء، يشعر بأنَّ العالم بعد كورونا على وشك الإقلاع إلى دائرة جديدة وبمفاهيم جديدة كذلك.

أغلب حالات كورونا والسبب الرئيس في تفشيها السريع والمرعب في بلدان أوروبا وأمريكا مرده الأساسي إلى نظام التأمين الصحي في تلك البلاد والذي لا يغطي الفحص عن الأمراض، إضافة الى الكُلفة العالية للفحص والتي تصل إلى ثلاثة آلاف دولار ويزيد، لهذا أحجم الناس عن الفحص خوفًا على مدخراتهم فانتشر الوباء كالنار في الهشيم.

حين يأمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتخصيص مبلغ خمسمائة مليار دولار (وهي تحويشة عمره بالمناسبة وورقة حملته للرئاسيات القادمة) لمكافحة جائحة كورونا، كان حري بأمريكا تخصيص ربع ذلك المبلغ وربما أقل لتعزيز النظام الصحي وإعادة هيكلته على قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج.

بعد زوال جائحة كورونا بعون الله ومشيئته، سيُقلب العالم الرأي فيما حوله من خدمات ونُظم صحية وسياسية وعلاجية، وسيتعدى ذلك البحث والتقصي الحدود للتقليد والمحاكاة وتقييم الحلفاء والأصدقاء والأعداء والخصوم وإعادة توصيفهم وتصنيفهم، ويقول العديد من المراقبين بأن العالم الرأسمالي سيعيد الرأي في العديد من أدوات وشعارات ونظريات ونتائج رأسماليته في الداخل والخارج وسيضعها على المحك، وأن الاشتراكية ستحظى بنصيب الأسد من اهتمامات الشعوب الغربية خاصة في تطبيقها وفهمها وتعريفها لمجانية التعليم والعلاج.

قبل اللقاء: أتوقع أن جائحة كورونا ستترسخ طويلًا في العقل الجمعي والتاريخ الإنساني ولن تمر ذكراها ووقعها بسهولة، ولا أستبعد أن يدون البعض الأحداث لاحقًا برمزي (ق.ك و ب.ك) أي قبل كورونا وبعده تعبيرًا عن جسامته ووقعه.

وبالشكر تدوم النعم