حميد بن مسلم السعيدي
منذ أكثر من عقد ظهر مصطلح العالم كقرية صغيرة رافقه ظهور العولمة والتقنيات الحديثة، وكنَّا نعتقد أن هذا المصطلح مرتبط بانتقال المعلومات والبيانات من مكان إلى آخر بسرعة وسهولة إلى أي فرد على سطح الأرض وفي ذات الوقت، لهذا وصف العالم بالقرية لسهولة معرفة ما يحدث في كل أجزائه، ولكن مع التطور البشري والانتقال من مكان إلى آخر، أصبحنا نعاني من صغر هذا العالم، فما يحدث من إشكاليات مختلفة في بقعة ماء نتأثر بها بسرعة كبيرة، لذا فظهور كورونا كوباء عالمي تعاني منه البشرية أجمع دليل على أننا نعيش في وطن واحد وأننا مواطنون فيه نخضع لكل ما يحدث به من إشكاليات متعددة سواء أكانت صحية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فنحن أمام مرحلة من التغيير في مواجهة مختلفة تماماً عمَّا حدث بالماضي.
كورونا صنف كوباء عالمي وعدو البشرية سريع الانتشار استطاع خلال فترة وجيزة أن ينتشر بين دول متباعدة ويصيب آلاف الأشخاص بالفيروس، وبالرغم من انخفاض نسبة الوفيات إلا أنَّ انتشاره بتلك السرعة وبطرق متعددة أدى إلى إصدار العديد من القرارات على مستوى الدول بهدف الحد من انتشاره والسيطرة عليه، إلا أن تلك القرارات لم تحد من ذلك مما دفعها إلى اتخاذ قرارات أكثر صرامة مما أسهم في التأثير على الحياة العامة بكافة قطاعاتها، وبالرغم من هذه القرارات التي تتخذ بصورة مُتدرجة إلا أن المسؤولية الكبيرة تقع على المواطنين في تطبيق تلك القرارات وخاصة بالتباعد الاجتماعي والحد من الاتصال والتواصل داخل المجتمع، والالتزام بالتواجد في إطار الأسرة الصغيرة، وعدم مُغادرة البيت إلا للضرورة القصوى، والاستفادة من الدعم الذي تُقدمه المؤسسات الخاصة في توفير الاحتياجات اليومية عبر شبكات التواصل الاجتماعي والبرامج التقنية الحديثة، مع ضرورة التأكد من دقة البيانات قبل الوقوع في إشكاليات الاحتيال الرقمي، في ظل انتشار كبير خلال هذه الفترة للجريمة الإلكترونية.
فكورونا مرض سريع الانتشار إلى جانب قدرته على البقاء لفترات تتجاوز عدة ساعات في الهواء وعلى المواد التي يقع عليها، حيث إنَّ خطورته ليست في نسبة الوفيات التي يحدثها المرض، وإنما في انتشاره في المجتمع وصعوبة توفير الرعاية الصحية نظراً للأعداد الكبيرة من المصابين وهذا ما حدث في بعض الدول المتقدمة مما أسهم في ارتفاع نسبة الوفيات بها، لذا فالأمر يقع على المواطن في إيقاف انتشاره وعدم المساهمة في نشره، من خلال تطبيق الحجر المنزلي، فيمكن القضاء على الفيروس نهائياً في حالة انعدام الاتصال بين المصابين والأصحاء، حيث إن فترة الحضانة للفيروس أكثر من أسبوعين وهي الفترة المناسبة للتباعد الاجتماعي وعدم المخالطة مع الآخرين.
ولكن ما نشاهده اليوم في المجتمع من حراك غير مسؤول من بعض المواطنين يمثل خطورة كبيرة على المجتمع أجمع، خاصة في ظل تواجد تجمعات عائلية أو مجتمعية، أو ممارسة الأنشطة الرياضية بصورة جماعية والتسوق من أجل شراء الكماليات والأدوات غير الضرورية، لذا فالمسؤولية التي تقع على المواطن هي واجب وطني ينبغي الالتزام به، وتحمل كافة التبعات التي تصدر نتيجة سلوك غير مدرك لخطورة الأمر، فتطبيق القرارات الصادرة من اللجنة العليا ينبغي أن يكون موقع التنفيذ، ولا يمكن القبول بتواجد مخالفات على تلك القرارات خاصة من أصحاب هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في ظل سعي البعض للالتفاف على هذه القرارات بصورة غير شرعية، لذا يتوجب على كافة المواطنين الإبلاغ عن هذه المخالفات، فنحن في مرحلة خطيرة إما أن نعمل على إيقاف كل تبعاتها، أو المساهمة في زيادة خطورتها، والجميع معني بكافة المسؤوليات والأضرار الجماعية التي تقع على المجتمع.
وهذه المشكلة لا تقتصر على الخطورة الصحية فالقرارات الصادرة من اللجنة العليا سوف توثر على العديد من فئات المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وهو أمر لابد منه، ولكن التضحية بالمستوى الاقتصادي والإبقاء على حياة الإنسان أهم من أي ربح كان، لذا فإنَّ على المجتمع القيام بدوره الاجتماعي والعمل على التكاتف مع الآخرين وتقديم الدعم والمساندة لهم، خاصة وأن إغلاق العديد من مؤسسات القطاع الخاص والحكومي قد يحرم العديد من الأفراد من الدخل الخاص بهم، الأمر الذي قد يشكل خطورة أخرى على المجتمع، ووقوع العديد من الأسر تحت مستوى خط الفقر لذا ينبغي على المواطنين المقتدرين مالياً أو أثرياء المجتمع العمل على المساهمة في مساعدة الفقراء والمحتاجين سواء كانوا من العمانيين أو الوافدين والذي تأثروا أيضًا بإغلاق مصادر رزقهم، هذه المسؤولية المجتمعية تتوجب على الكل المُساهمة فيها خاصة إذا استمر التعليق لفترة أطول من الفترة الحالية، فاليوم نحن أمام مرحلة يتوجب الوقوف فيها مع الدولة والمساهمة والشراكة في مُعالجة التحديات التي تواجهها.
هذا التوجه ليس وطنياً فحسب وإنما واجب ديني وفقا لما نصَّ عليه المشرع الديني والذي وضع مجموعة من الأنظمة العقائدية التي تُؤكد على ضرورة التكاتف الاجتماعي ومساعدة الآخرين، لما له من أثر اجتماعي كبير على وحدة المجتمع وتماسكه وعلى نشر الخير بين أفراده، مما يُؤكد على مدى الملحمة الدينية والوطنية في إطار الوطن الواحد، وإذ نؤمن أنَّ هذا الوطن هو جزء من حياتنا وديينا فإنَّ القيام بذلك سوف يُساعد على استمرارية الحياة في المجتمع وعلى تحقيق التماسك الاجتماعي دون أن يتأثر بالعديد من المتغيرات التي يشهدها العالم في المرحلة الحالية، والتي تحدث تغيراً كبيراً في القريب العاجل في العديد من أنظمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.