خلفان الطوقي
كل أزمة تمرُّ علينا، لابد أن يكون لها جانب مؤلم وجانب آخر إيجابي، ولأنَّ العالم أجمع يمرُّ هذه الأيام بأصعب مراحله في تاريخه الحديث، بسبب انتشار فيروس كورونا، الذي ما زال يحصد أرواح جديدة كل يوم، فإلى هذه اللحظة -وقت كتابة هذا المقال- حصد حوالي 13150 روحا من أكثر من 170 دولة، وسوف يتغيَّر الرقم بعد الانتهاء من كتابة هذا المقال؛ لأن الأرقام تتغير في كل لحظة، جائحة فيروس كورونا تعتبر من وجهة نظر الكثير من المراقبين والمحللين حدثًا سيغيِّر العالم ويغيِّر قواعد اللعبة واللاعبين، وكل دولة عليها أن تستفيد من هذا الحدث لتتموضع من جديد في المكان الصحيح على خارطة العالم بعد الصمود لتبعات هذا الفيروس الفتاك.
عودة لعنوان المقال، الذي يحاول أن يجيب عن الدورس التي يُمكننا أن نستفيد منها من هذا الفيروس ونضعها في الاعتبار في المستقبل بعد انجلاء هذه الغمة قريبا بإذن الله، فإذا أردنا تقسيم الدروس فيمكن أنْ نقسمها إلى دروس فردية رفعت الوعي الصحي للكثير منا بشكل مضطرد وفي وقت قياسي، وذلك ينطبق أيضًا على المستوى العائلي والمجتمعي، وضرورة الالتفاف لتعليمات الدولة في الأزمات، وضرورة التواصل المستمر بين الحكومة وباقي المؤسسات الحكومية الأخرى والخاصة والمدنية والمواطن والمقيم، وذلك لأن هؤلاء هم أطراف العلاقة، والتعاون والتكامل والتنسيق فيما بينهم مطلوب، ولا يُمكِن لأي حملة أو مجهود أن ينجح إلا بتعاون جميع أطراف العلاقة.
أمَّا بالنسبة للدولة، فهناك العديد من الدورس؛ وأولها أنها استطاعتْ أن تشكل لجنة عُليا لتتعامل لحظة بلحظة مع هذا الفيروس الخطير، بمعنى أنه يمكنها في المستقبل أن تشكل فريقَ عمل متخصصًا وعالي المستوى لمتابعة آثار والتبعات الحاصلة إزاء تدهور أسعار النفط على سبيل المثال، كما أنَّ الحكومة استطاعت في هذه الازمة أن تتفاعل وتتكامل بشكل سريع مع كل الجهات التي لها علاقة بإدارة الملف الاقتصادي، خاصة البنك المركزي وبنك التنمية ووزارة المالية ومجلس الشؤون المالية والطاقة ووزارة التجارة والصناعة... وغيرها من جهات؛ لتُصدر بعض القرارات والمحفزات التي تحاول التخفيف من وطأة آثار ما سيخلفه هذا الفيروس الفتاك، كما استطاعتْ اللجنة التدرُّج في القرارات التي أصدرتها من الأسهل إلى الأصعب والمؤلم الذي تقبَّله جزء كبير من الناس، وتفاعل معه المجتمع إيجابيًّا، وأصبحت لديها خبرة تراكمية في إدارة الأزمة، كما استطاعتْ اللجنة أن تجمَع جهات الإشراف والتشريع والمراقبة والتنفيذ والتوعية على طاولة واحدة لتكون المنظومة متكاملة، وحينما يأتي التطبيق يصادفه النجاح قدر الإمكان.
هذه النجاحات -إلى الآن- تُثبت أنه حينما تكون عُمان هي أسمى الغايات، والإرادة السياسية حاضرة، والحكومة جادة، فإنَّها تستطيع حل أي معضلة مهما كانت بشكل علمي وتكاملي، ويمكن لهذه النجاحات والدروس توثيقها وتطويرها والاستفادة منها في المستقبل، وتطبيقها في حل أزمات أخرى، كتطبيق "خطة عمل" عاجلة في وقت لاحق لتخفيف آثار هذا الفيروس على الوضع الاقتصادي والأنشطة التجارية وحياة البشر، وإلزام جميع الجهات ذات العلاقة بأن تقدم خطة عمل مُفصَّلة توضح فيها إسهاماتها لتحمُّل جزءٍ من المسؤولية، وهذا على سبيل المثال، كما يُمكن أن تطبقه الحكومة من تجربة حاضرة وهي النجاحات التي نراها من خلال اللجنة العليا، كما يُمكننا -ومن خلال الخبرات التراكمية- أن نفكر بشكل علمي واستباقي في موضوع الأمن الغذائي المتكامل في حال الأزمات، أو كيفية مواجهة نزول النفط إلى مستويات منخفضة جدا مقارنة بالسعر المقرر في الميزانية المالية للدولة، أو تطوير مفهوم الدراسة أو العمل عن بُعد، والقفز به قفزة نوعية، هذه أمثلة لملفَّات عاجلة تم ذكرها لتوضيح الفكرة فقط.
خلاصة القول.. أنَّ النجاح الحقيقي والمستمر يكمُن في كيفية رصد الخبرات التراكمية لحل الأزمات في موضوع معين، ونقل هذه الخبرات وتطبيقها في أزمات أخرى تحمل صفة الاستعجال، وكما نجحنا في أزمة "كورونا"، يُمكننا أن نتغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.