عبد الله العليان
مع بداية النَّهضة العُمانية الحديثة، اهتمت الدولة ببناء وتأسيس القطاعات الإستراتيجية المُهمة، كقطاع الكهرباء، وقطاع المياه، وقطاع الاتصالات، وهذا المسألة من مهام الدولة كحاجة هامة وضرورية للمجتمع في المقام الأول، وقد تمَّ تأسيس هذه القطاعات الأساسية، كبنية تحتية لازمة للتطور والنهوض ضمن المرافق العامة، للتحديث، ومسايرة ما يستجد من أسس وتطورات من هذه الوسائل، صحيح أنَّ السلطنة تأخرت في الكثير من قيام هذه المؤسسات لظروف التي نعرفها جميعًا، لكن هذا الأمر لم يتأخر كثيراً بعد النهضة مُباشرة، وبدأ التحرك منذ اليوم الأول للتغيير، لتنفيذ هذه المشاريع، في كل القطاعات الهامة والضرورية، ومنذ عدة عقود مضت، رأت الدولة أن يتم تسيير هذه الهيئات والشركات من قبل بعض الشركات القادرة على إدارتها، إدارياً ومالياً، أو استلام التحصيل، أو الصيانة، مع إشراف الدولة على عملها، ضمن عقود الاتفاق بعد إنشاء بعض هذه المؤسسات أو الهيئات، كما تم أيضاً تطبيق نظام الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وبعضها بنسب أقل وفق نظام الاتفاق.
ومن الشركات الكبيرة التي أسستها الدولة، الشركة العُمانية للطيران، بعد فض الشراكة القديمة مع شركة طيران الخليج قبل ما يقرب من ربع قرن، وتمَّ وضع نظام الشراكة بين الحكومة والقطاع الأهلي، على أساس أن يلعب القطاع الخاص دوره ومهمته في الجانب التجاري، مع إشراف الحكومة ضمن نظام الشراكة الموقعة، باعتبار هذا القطاع، ممارسا فاعلاً في الجانب التجاري، ودعماً له لتحقيق وإنجاح هذه المشاركة، والتخفيف على ميزانية الدولة من أعباء كما قيل في ذلك الوقت، حيث إن الدولة لها مهام أخرى في المشاريع في البنية التحية وغيرها، وقد ناقشت هذا الموضوع في أحد المقالات السابقة، وقلت إنَّ هذا التوجه حقق نجاحاً مهماً لهذه المؤسسات والشركات العامة، واستفادت الدولة أيما استفادة من هذا التوجه، في مسألة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، سواء من تحديد نسب مُحددة للقطاع الخاص فيها، أو من حيث جعلها تعمل على أسس تجارية، مع وجود الصفة الحكومية، وأتذكر أن بعض المسؤولين في الطيران العماني، صرح في فترة الشراكة، وبالتحديد عام 2005 عن أرباح للشركة العمانية للطيران، تقدرها بعدة ملايين من الريالات العمانية، وهذا بلا شك يعتبر نجاحاً كبيراً للشراكة القائمة آنذاك بين القطاعين.
ولكن أمر هذه الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في قطاع الطيران، لم يستمر طويلاً، وفوجئنا في عام 2007 تقريبًا، بعودة الصفة الحكومية، على الشركة العمانية للطيران، مع نسبة ضئيلة لإدخال الصفة الخاصة ودفعت الدولة 50 مليون ريال عماني للشركة العمانية للطيران، لتأخذ الحكومة النسبة الأكبر من الأسهم في الشركة، ووصلت نسبتها تقريباً، إلى ما يقرب من 99% من الأسهم، بحسب ما نشر آنذاك، وأيضًا تمَّ إنهاء الاتفاقات مع الهيئات الأخرى التي تمَّ تخصيصها لبعض نشاطاتها! وهذا الأمر لا نعلم كيف تمَّ اتخاذه؟ وهل تم وفق دراسة جيدة ومستوفية الشروط لإنجاح هذا التوجه؟ ولماذا تراجع عن الكلام الذي سمعناه، عن أهمية الشراكة، وتعزيز دور القطاع الأهلي الوطني، وتخفيف الأعباء على الحكومة، لمهام ومسؤوليات أخرى؟ ومنذ عدة سنوات تسربت الخبرات عن خسائر الطيران العماني، قدرها معالي وزير والنقل والاتصالات بمئات الملايين في بعض السنوات، وهذا بلا شك يُساهم في خسائر للدولة، وكان الأولى أن يُعاد النظر في هذه الخسائر، والإشكالية مع هذه الخسائر الكبيرة تم تسيير العديد من الرحلات منذ عدة أعوام، إلى بعض البلدان العربية والأجنبية، مع أنَّ هناك منافسة شديدة في الرحلات الدولية، اضطر الطيران العماني، إلى إلغاء بعض الرحلات الدولية، مع العودة إلى زيادة أسعار الرحلات الداخلية!!
ومنذ ما يزيد على أكثر من عقد تقريباً، تم تأسيس شركة عمران، كشركة حكومية كاملة خاصة، تقوم المناشط في المجال السياحي، وكنت أتمنى أن تُقام شركة عمران كمشاركة مع القطاع الأهلي، وليست شركة حكومية 100%، حتى لا تتعرض للخسائر، ثم تتحمل الدولة هذه الأعباء المالية، كما حصل للطيران العُماني، وقد كتبت من عدة سنوات عن هذا الأمر، وقلت بالنص :" ربما تواجه مصاعب ـ شركة عمران ـ وهذا ما برز عندما انخفضت حصة شركة عمران في مشروع تطوير ميناء السلطان قابوس السياحي إلى 30%، بينما تم إسناد المشروع لشركة خليجية بـبنسبة70%، وهذا ربما يعكس عدم قدرة شركة عمران على القيام بهذا المشروع في حصته الأكبر، وربما بسبب عدم القدرة المالية أو لسبب آخر، فالمهم أن تقليل حصة الحكومة في شركة عمران، نراها خطوة لتعزيز هذه الشركة، وإعطاء القطاع الخاص العماني المجال الأرحب للانطلاق في مشاريع عملاقة". ولا شك أن العديد من الشركات الحكومية، تحتاج مراجعة جدية، وحاسمة، بما يعاد النظر في خططها، وبرامجها التي لم تحقق نجاحاً في السنوات الأخيرة، وتكلف الدولة مئات الملايين سنوياً، خاصة الطيران العماني، وبقية الشركات الحكومية الأخرى التي نرى ضرورة قيام الشراكة الجدية مع القطاع الخاص، وهذا في حد ذاته، إفساح للمجال للقطاع الأهلي أن يتحرك وينطلق، ليتحقق النجاح من خلال الشراكة الحقيقية والجادة، وقد أشار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله-، إلى قضية الشركات الحكومية، وقال ما نصه أننا:" سنعمل على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وأعتقد أن هناك رؤية قادمة لهذه الشركات، ونأمل أن تتحقق الأهداف التي رسمها عاهل البلاد المعظم في الشهر الماضي.