التخطيط المُثمر

حاتم الطائي

أثبتت الأيام القليلة الماضية في بلادنا الغالية أنّ الحكومة الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- استطاعت بحنكة وكفاءة أن ترسم لنفسها مسارا واضحا في التعامل مع المخاوف المتعلقة بتفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، لترسخ قاعدة أصيلة في النهج الحكومي مفادها أنّ التخطيط المُثمر يؤتي نتائج واعدة، وأنّ الحكمة في اتخاذ القرار في الوقت المناسب دون عجلة أو تأخير تحقق الآثار الإيجابية، واحتواء الآثار السلبية قدر المستطاع.

البداية كانت مع الأوامر السامية لجلالة السلطان المعظم- أيّده الله- بتشكيل لجنة عليا تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وذلك في ضوء الوضع العالمي والمحلي لانتشار الفيروس، وما يصدر عن المنظمات الدولية المعنية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية. هذه اللجنة برهنت مدى الحرص السامي الذي يوليه جلالة السلطان لصحة المواطنين، واهتمام جلالته بتوفير شتى سبل الرعاية لكل ما من شأنه أن يقلل مخاطر انتشار هذا الفيروس، أو يتسبب في مشكلات على المستوى المحلي. ومن أجل إنجاز المهمة على أكمل وجه، قضت الأوامر السامية بتشكيل اللجنة برئاسة معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية، وعضوية عدد من أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة الوكلاء، ما يؤكد أنّها لجنة شاملة لممثلي كافة القطاعات الحيوية في بلادنا. ومن هنا تتجلى الحكمة السامية في هذه الاختيارات، فوزير الداخلية المشهود له بالكفاءة العالية عبر خبراته الطويلة في العمل الحكومي هو الأجدر في التواصل مع الولاة والمحافظين لتنفيذ ما يصدر عن اللجنة من قرارات واجبة النفاذ، علاوة على أنّ عضوية وزراء الوزارات الخدمية دليل على أهميّة التفعيل والتطبيق الكامل لما يصدر عن اللجنة من قرارات.

ولذلك وجدنا أنّ أول اجتماع للجنة يوم الخميس الماضي، تمخضت عنه حزمة من القرارات والنصائح تضمن بصورة كبيرة احتواء إمكانية تفشي الفيروس، والحد من الآثار الضارة لانتشاره، وقطع الطريق أمام أي وسيلة كانت تساعد في نشر الفيروس. وهذه القرارات وإن كانت لها تداعيتها الاقتصادية على بعض القطاعات، لكنّها تصب في مصلحة المواطن أولا وأخيرا، ويمكن تعويض هذه الآثار في أوقات لاحقة عندما تنقشع هذه الغمة، فالقرارات بلا شك تسهم في الحفاظ على الوضع الصحي مستقرا وآمنا لأقصى درجة ممكنة، فمن غير المعقول أن نسمح ببعض الأنشطة الاقتصادية على حساب صحة الإنسان، إذ إن هذا الإنسان هو هدف التنمية وغايتها، وكل مكتسبات النهضة المباركة والنهضة المتجددة لا تستهدف سوى الإنسان. ولقد أسهمت هذه القرارات في بث الطمأنينة والارتياح في نفوس جموع المواطنين، وتلمسنا ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال المقابلات المباشرة التي نجريها يوميا مع عشرات المواطنين، والذين أيدوا بشكل كامل هذه القرارات، وثمنوها وباركوا دور اللجنة في اتخاذ ما يلزم من قرارات وتوصيات تدعم جهود تقليل خطر انتشار المرض. وبالأمس أعلنت اللجنة العليا عن وقف الدراسة في مؤسسات التعليم لمدة شهر، وهو أيضا إجراء وإن كانت له نتائج، فإنه بلا ريب إجراء احترازي لحماية فلذات الأكباد، وصونهم من مخاطر هذا الفيروس سريع الانتشار. فالخطر في "كوفيد-19" ليس في افتراسه للجهاز التنفسي للمصاب، بل في سرعة انتشاره بين البشر، فيكفي مصاب واحد أن ينقل العدوى إلى نحو عشرات الأشخاص في محيط دائرته داخل حصة دراسية أو محاضرة جامعية. إذن نحن نتحدث عن فيروس ينتشر سريعا، ولذا فإنّ الإجراءات المتبعة تضع في عين الاعتبار هذا الجانب، وهو ما اتضح من إجراءات اللجنة العليا.

ومع هذه الإجراءات الناجعة والفاعلة التي أعلنت عنها اللجنة العليا، فإننا من خلال هذه السطور نهيب بالجميع ضرورة أخذ الحيطة والالتزام بالإجراءات الاحترازية التي تعلن عنها الجهات المعنية، ولاسيما اللجنة العليا للتعامل مع كورونا، فالوقاية خير من العلاج.

وأخيرا.. إنّ التحصين من المرض أكثر فعالية وأعمق تأثيرا من علاج المرض نفسه، وإن السياسات التي يتبناها جلالة السلطان المعظم- أيّده الله- منذ تولي مقاليد الحكم توضح بجلاء أننا أمام نهج جديد وغير مسبوق في عملية صنع واتخاذ القرار، نهج يواكب الحدث ويعتمد على الحسم في اتخاذ القرار، نهج يؤكد أننا أمام قيادة حكيمة تستشرف المستقبل برؤية ثاقبة وعين مُبصرة على مصلحة الوطن والمواطن قبل أي شيء آخر.