مرتضى حسن علي
قبل التكلم عن مشاكلنا علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل هناك مشكلة حقًا؟ والأهم ما هي جذورها وكيف تفاقمت؟وما هي المشاكل الأخرى المرتبطة بها؟ وهل يمكن إيجاد حلول لها لتجاوزها من دون تقديم تضحيات كبيرة، ومن جميع الأطراف؟
هناك مشاكل عديدة مرت على غيرنا، وتم إيجاد حلول لها، وليست هناك مشكلة تحل نفسها بنفسها تلقائيًا، وخصوصا عندما تكون مُرتبطة بمشاكل أخرى تحوّلها إلى أزمات مزمنة. وكل مشكلة تبطن في أحشائها بذور حلها. وعموماً لا يوجد مكان على الأرض من دون مشاكل. وقد تعوّد الإنسان على مر العصور على وجودها. الإنسان القديم واجه الأخطار من كل جانب، وبالغريزة ابتعد عنها. ولم يكن ذلك كافيًا، فبدأ يبتكر حلولاً حتى وصل إلى ما هو عليه من وسائل مُبتكرة لمُواجهتها، وبالتالي تأصلت فكرة مفادها أنَّ أية مشكلة لا تخلُ من الفوائد وإنها أساس التقدم. وتحولت المشكلة من كونها غريزة تتحسس الأخطار المحدقة إلى عقيدة تحوّل كل شيء حولنا إلى مشكلة لنحلها بالابتكار فنتقدم.
تاريخياً حاول البعض تخيل مجتمع ما بدون مشاكل، ومنهم أفلاطون، فالمجتمع الأفلاطونى (المدينة الفاضلة) هو مجتمع بلا مشاكل ولكن ثبت أن ذلك غير واقعي، وما تم إثباته أيضًا أنه إذا لم يتم إيجاد حلول لها قبل أن تتفاقم فإننا بذلك نبتكر مشاكل أخرى أكبر وأعقد وتتحول إلى أزمات مستعصية متتالية.
يبدأ الحل بالاعتراف بالمشكلة، ثم توصيفها للوصول إلى حلول مُقترحة تدرس من كافة جوانبها، ثم مراقبة عملية حلها فإن لم تُحل يعاد البحث بطرق جديدة ومبتكرة، ويتم الاستفادة من تجارب الآخرين في كيفية حل مشاكل مُماثلة. وحلول المشاكل تمر على الأغلب بأربعة مراحل:
المرحلة الأولى: أمام الإخفاقات المتكررة في الأداء، يتم الاعتراف بوجود مشكلة أو مشاكل تؤثر على الأداء، ويتم توصيفها.
المرحلة الثانية: نلاحظ ونبحث وندقق في ظواهر وأعراض وأسباب المشكلة التي تواجهنا.
المرحلة الثالثة: نقوم بربط علاقة الظواهر والأعراض والأسباب ونستوثق ونستوعب، ويصل ذلك بنا إلى مرحلة التشبع والامتلاء.
المرحلة الرابعة: نتيجة وصولنا للتشبع والامتلاء، ومع زيادة الضغوط المُلحة لإيجاد حل للمشكلة نصل في لحظة من اللحظات إلى رؤية جميع الخيوط المستحكمة فيها، وكل ذلك يؤدي بنا إلى بداية الطريق لإيجاد حلول لها.
الفرق بين المشكلة والأزمة في أن الأولى عبارة عن عقبة عارضة، يمكن أن نجد لها حلاً سريعًا، وتكون في العادة بسيطة وغير مركبة، أما الأزمة فهي المشكلة بعد تضخمها ومرور وقت طويل على وجودها واتساع خطورتها بين أكبر عدد من أفراد المجتمع من دون إيجاد حلول لها، وتستتبع معها وحولها مجموعة متشابكة من المشكلات الأخرى، ولا يمكن لفرد واحد أن يحلها بقرار، ولكنها تتطلب نخبة من الأخصائيين والخبراء لإزالتها، أو على الأقل الحد من خطورتها وتداعياتها.
في ظني فإنَّ من ضمن المشاكل التي تواجهنا هي:
1 ــ العجز المتراكم في الميزانية العامة للدولة وتصاعد الدين العام سنة بعد سنة، والذي قد يصل في السنة القادمة إلى نسبة ٧٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي وتأثيرات كل ذلك على مُعظم الخدمات المقدمة من الحكومة.
2- ازدياد نسب الباحثين عن عمل سنوياً، ولا سيما مع دخول أكثر من ٢٢ ألف خريج من التعليم العالي سنويا إلى الباحثين عن عمل، وتبلغ نسبة النساء الخريجات منهم 62%.
3-قلة المشاريع في المحافظات "خارج محافظة مسقط" لخلق فرص عمل ولاسيما أن نسبة 87% من الباحثين عن عمل هم من سكان المحافظات الأخرى حسب الإحصائيات المتوفرة إلى نهاية عام ٢٠١٨، وتبلغ نسبة النساء منهم أكثر من 62%.
4- طبيعة الاقتصاد الريعي القائم على إنتاج الخدمات غير القابلة للتصدير، وعدم قدرته على خلق فرص عمل كافية ومنتجة ومجزية.
5-تدني مستويات التعليم والتدريب والذي ينتج عنها تدني المهارات وثقافة وأخلاقيات العمل عند مجموعات كبيرة من الباحثين عن عمل والعاملين فعلاً والذي يؤثر على تعيينهم وعلى الرواتب المقدمة لهم.
6- الإجازات الطويلة والتي تسبب خسائر كبيرة للقطاع الخاص وعلى مجمل الاقتصاد عمومًا.
7- وجود ميول قوية تقاوم التغيير والتطوير.
8- التضخم في الجهاز الإداري للدولة، ووجود أعداد كبيرة من الموظفين الفائضين عن الحاجة الذين يستنزفون مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة.
9- القوانين والنظم والممارسات التي تؤثر على تدفق الاستثمارات والسياح وعلى عمليتي تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص التوظيف للمواطنين .
عدد كبير من المشكلات تفاقمت وتحولت إلى أزمات بسبب عدم مواجهتها في بدايات تشكلها. عدد كبير من البلدان في العالم مرت بمشكلات وأزمات مماثلة، ولعلها أشد من ذلك، لكن الذى يميز بلدا عن آخر، هو القدرة على حل مشكلاتها، وتجاوز أزماتها، من خلال تشخيصها لأسبابها، ثم تحديد الأهم فالمهم، فالأقل أهمية تبعاً لتأثيرها، وتفكيك المشكلة أو الأزمة إلى عناصرها الأولية، والقيام بعد ذلك بوضع الحلول المناسبة أولاً لكل عنصر على حدة، ثم باقي العناصر. وتلك البلدان حلَّت مشاكلها باتباع المنهج التجريبى العلمي بخلاف المنهج الجدلي والإجرائي والانفرادي.
المنهج التجريبي العلمي ينبغي أن يكون هو الإطار الذي تتبادل فيه المجتمعات تجاربها وخبراتها بدلاً من أن يبدأ كل واحد منها من نقطة الصفر.
وعدم الأخذ به هو الذي يؤدي إلى مختلف ضروب الفوضى في وجهات النظر الخاصة والشخصية، التي تبعد المجتمع عن تحقيق أهدافه الحقيقية في التقدم، وتتركه ضحية النقاش والجدل العقيم، وكلاهما يختلط بالنزاع والتخاصم، نتيجة إعجاب كل إنسان برأيه، وإحساسه بالمرارة إذا أثبت خصمه عكس ما يراه، وعلى الرغم من أننا جميعاً نرفع شعار "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" فإنَّ الواقع يكذب هذا الشعار، ومن الصعوبة أن نجد له أثراً في حياتنا.
إنَّ المشكلات التي تبدأ صغيرة، تتضخم وتتحول إلى أزمات، لا يوجد لها حل سحري، وإنما يستوجب مواجهتها بالمنهج التجريبي، والملاحظ أنه على الرغم من نجاح استخدام هذا المنهج في عدد من البلدان، فإنَّ البلدان النامية مازالت بعيدة عن تطبيقه، وجعله جزءا لا يتجزأ من نسيج فكرها.
ما الذي يمنع أو يعيق أو يؤخر استخدام عدد من الدول النامية للمنهج التجريبي في حل مشكلاتها وأزماتها؟ربما هناك أربعة عوامل رئيسية:
أولها: الجهل بحقيقة هذا المنهج، وبالدور الذي قام به في تقدم البحث العلمي على مستوى العالم كله. وثانيها: غلبة سلطة المنهج الجدلي الانفرادي على المتعلمين وصانعي القرار في تلك الدول، لأنه أكثر مبعثا للراحة وأقل مدعاة للتفكير ولاسيما أنَّ النتائج غير معرضة للمحاسبة. وثالثها: أن المنهج التجريبي يفتح الباب واسعًا للحصول على المعلومات، ويعتمد على الشفافية، وهذه ليست من سمات عدد من المجتمعات النامية.
مما تقدم... فمن الواضح أنَّ الجرأة في الإقدام والمبادرة وشجاعة الاعتراف بالمشكلة هي بداية الحل قبل أن تتحول المشكلة إلى أزمة. وعامل الوقت في هذه المسألة هو الفاصل والجوهري، وكلما تأخر تدارك الموضوع، فإنَّ التراكمات تعقد المشكلة وتحولها إلى أزمة مستعصية، وهذا ما لا يتمناه أحد.