سعيد بن حميد الهطالي
saidalhatali75@gmail.com
نواصل الحديث عن هذه المفردة السحرية الريادية المرنة (الابتكار)، والتي تملك وسائل القدرة لدى رأس المال البشري -لو استخدمها، واستغلها- على تحرُّر دماغه من نمط التفكير الروتيني التقليدي (المألوف) إلى الانطلاقة بأفكاره الخلاقة الجديدة المدعومة بمحركات البحث والتطوير إلى ساحة المعلومات والمعرفة، ثم إلى ميدان الممارسة والتطبيق؛ حيث الإنتاج والتصنيع لتعزيز قدراته التنافسية لمواجهة تحديات العولمة، وتوليد الأفكار المبتكرة التي تُعِينه على استحداث المنتجات، أو الخدمات، أو العمليات الجديدة والتحليق بها إلى فضاءات أعلى من التطور والتقدم.
ومن أجل ترسيخ أي فكرة أو ثقافة جديدة في أي دولة، أو مجتمع، أو مؤسسة، لا بد أن يسبقها وضع الأساسيات، وإعداد القواعد لأجل تهيئة البيئة التي تحتضن تلك الفكرة أو الثقافة، لكي تستطيع أن تنمو فيها وتتطور وتحول الابتكار إلى عمل مؤسسي.. يتحقق دوره من خلال تكاتف كافة الجهود، وتضافر كل الأدوار المحفزة والداعمة؛ من خلال توفير بيئة مؤسسية يعوَّل عليها توفير المناخ المناسب والظروف الملائمة لتبني ثقافة الابتكار ودعمها وتحفيزها وتعهدها ورعايتها في فكر منتسبيها من حيث توفير بنية أساسية تقنية، يتمُّ فيها تسخير جميع الإجراءات والتشريعات والإستراتيجيات واللوائح، والموارد المتاحة لدعم حاضنات الابتكار في كافة القطاعات؛ وذلك من أجل الخروج من نمط الصراع والمنافسة إلى نمط الريادة والتميز.
فلا أكن مبالغاً إن قلت بأنَّ الابتكار هو من أهم المحددات لمستقبل الحكومة وتقدمها وازدهارها، داعماً لتنميتها المستدامة، ورافداً أساسيًّا لبناء اقتصادها التنافسي المبني على المعرفة القائم على الإبداع والابتكار.
فكلُّ مؤسسة حكومية تطمح لخلق قيمة مضافة لها، وتسعى للانتقال إلى أساليب العمل الحديثة، وتطوير أدائها، وتحسين جودة خدماتها، وعلاقاتها مع البيئة الخارجية، وإيجاد حلول للتحديات التي تواجهها؛ أن يكون دافعها الابتكار فمن "لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم، ومن لا يتطور يتدهور، ومن لا يتغير يتحجر"؛ فتقدم أو تأخر أي مؤسسة يتوقف على مدى ثقافة تلك المؤسسة، وموقفها من الابتكار، فعُمان كما أوضح حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- "على أعتاب مرحلة مهمة من مراحل التنمية والبناء"، مشيرا إلى بدء تطبيق الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" والتفاعل مع التحديات الدولية الراهنة وتأثيراتها على المنطقة.
فالاستجابة السريعة للمتغيرات الجديدة دافع يدعو للابتكار، فلو تأملنا قليلاً قبل الثلاثين عاماً الماضية مثلاً، كيف كانت الحياة قبل: صحن الساتلايت، والهواتف الذكية، والإنترنت، وطرق تخليص المعاملات الحكومية.. وغير ذلك، لرأينا أنها كانت وسائل تقليدية قديمة عفا عليها الزمن، وبالتأكيد سنرى في ظل تسارع وتيرة التطور التقني الحديث تغيرات كثيرة مستقبلية تحمل المزيد من الابتكارات والطفرات التقنية، فما نعتبره نحن جيل اليوم جديداً سيراه جيل "تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، وتقنية البلوكتشين، والطباعة ثلاثية ورباعية الأبعاد، والسيارات ذاتية القيادة.. وغيرها" في المستقبل قديماً.
كلُّ هذا يجعلنا أكثر تقبلاً للأفكار والمفاهيم والطرق الحديثة، وأكثر قدرة على اكتشاف الفرص والاستفادة منها، واستغلال ما يُقدمه لنا العلم من اكتشافات ومخترعات ومبتكرات جديدة لنُحسِن استغلال المعرفة وتوظيفها على أرض الواقع الذي يلامس احتياجات حياتنا اليومية، وقد عرض الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- المشهد المستقبلي تماشياً مع الاهتمام بالبحث العلمي والابتكار والذكاء الاصطناعي، مبيناً -أيده الله- "أن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته، وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار، سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين؛ باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة"، لانطلاق نهضة عمانية متجددة.
ولنا -إن شاء الله- في الحديث بقية...،