عندما يقتصر العلم على الشهادة

 

 

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

إنَّ الإسلام دين العلم والمعرفة، وقد جعل طلب العلم فريضة على كل مُسلم ومسلمة منذ بزوغ فجر الإسلام؛ حيث جاءت الأوامر الربانية والنبوية مشددة على أهمية العلم ودوره المحوري في بناء الفرد والمجتمع، ولم يقف الإسلام عند حد الحث على العلم الديني بل شجع أيضاً على العلوم الدنيوية التي تسهم في تقدم البشرية ورفاهيتها؛ كونها من أعظم أدوات التقدم والتطور التي يمتلكها الإنسان.

ولأنَّ قيمة العلم الحقيقية تتجاوز مجرد الحصول على المعلومات أو الشهادات الأكاديمية لتشمل الطريقة التي يتفاعل بها الفرد مع المعرفة والتجارب الجديدة والتحديات، تقدّر عندما يتم استيعابه، وممارسته، وتطبيقه ليصبح أسلوب حياة، ومحصلة وقيمة مضافة عليها، ووسيلة مثلى لتحسين جودتها وتقدمها، وتوجيهه نحو الأهداف السامية، ومراعاته للقيم الأخلاقية، والاجتماعية، والبيئية، وتوسيع آفاق المعرفة، والتطور الفكري، والاجتماعي، والنضج العقلي، كما يُعزز التفاعل، وفهم العالم من حولنا بشكل أعمق.

فمن طبيعته أن يكون دائماً مصدراً للفهم والتطور، إلا أنه في بعض الحالات قد لا يخدم صاحبه، ويصبح غير مفيد للإنسان إذا أدى إلى تعميق الفجوة بينهُ وبينهِ، الذي لم يسع لينال منه سوى تلك الورقة المختومة بختم اعتماد التخرج التي تدعى (الشهادة)، التي قد تصل بصاحبها إلى أعلى درجات التحصيل العلمي دون أن ينعكس ذلك التحصيل على فكره ووجدانه، وسلوكه، وصحته، وحياته.. لأنَّ علمه اقتصر على الشهادة التي ربما أراد بها تزيين جدران بيته أو مكتبه، أو سعى لها من أجل غاية أو حاجة أخرى في نفسه، وليس كوسيلة ليتعدى بها الجهل، ويثري بها المعرفة البشرية، وينمي بها من أفكاره ومعارفه، ويطور من أساليبه، وسلوكه، وثقافته في شؤون حياته المختلفة..

فالتعليم ليس دائما مؤشراً على الذكاء أو الوعي أو المعرفة، فقد يكون هناك أشخاص فارغين من فكر التعليم بالرغم من حيازتهم على شهادات أكاديمية مرموقة، لا يظهرون مستوى عالياً من الوعي أو الثقافة ليبقى العلم مجرد معرفة فارغة منزوعة القيمة بلا فائدة لهم، ويكون مصدراً للأسى والخيبة، منقوص الإبداع، من أهدافه الرئيسية اجتياز الامتحانات، والحصول على درجات عالية، بدلاً من الاستفادة من تجاربه التعليمية ومهاراته العملية، وتحقيق نمو مستمر يُسهم في تطوير القدرة على التفكير المستقل، وحل المشكلات، وفهم الموضوعات، وتنمية المهارات الحياتية، والمساهمة بشكل إيجابي وفاعل في خدمة الوطن والمجتمع.

بينما يوجد في المقابل آخرون قد لا يكملون تعليمهم، ولكن لديهم معرفة وفهم عميق في مجالات معينة في الحياة نتيجة الاهتمام الشخصي بالقراءة، أو الدراسة الذاتية، أو الخبرة العملية.

يقول الأديب مارون عبود: "دخلت الجامعة وأنا جاهل بلا شهادة، وتخرجت فيها وأنا جاهل صاحب شهادة". وثمة قول ينسب إلى أحد الفلاسفة: "الشهادة ورقة تثبت أنك تعلمت، لكنها لا تثبت أنك فهمت".