الشركات الحكومية.. ما لها وما عليها

 

خلفان الطوقي

أنْ يذكُر مَوْلَانا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابة الأول بعد انتهاء فترة الحداد، موضوع الشركات الحكومية والمراجعة الشاملة لها بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها لتسهم بشكل فعَّال في المنظومة الاقتصادية، فإنَّ الموضوع ليس بالهيِّن، خاصة بعد توسُّع هذه الشركات بشكل ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية.

تأسَّست الشركات الحكومية وشبه الحكومية لتحقيق أهداف إستراتيجية معينة ومحددة؛ وأهمها: تحسين وتجويد إدارة الأصول الحكومية بعقلية تجارية مربحة، والمساهمة في دعم بعض الأنشطة التجارية في حال عدم تمكُّن القطاع الخاص المستقل بذلك والتكامل معه عند الحاجة، ودعمه في أحيانٍ أخرى خاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والاكتفاء الذاتي في بعض القطاعات، والمساهمة في دعم العوائد المالية لخزينة الدولة، وخلق كفاءات عُمانية قوية وحقيقية تخصصية، وجميع هذه الأهداف سامية، وبالرغم من سمو هذه الأهداف إلا أنَّ هناك حملات وانتقادات تنشط حينا وتهدأ حينا آخر من المتابعين على المستوى الرسمي وغير الرسمي لأداء هذه الشركات؛ فتجدهم يُوجِّهون إليهم نقدا ومآخذ عديدة، ووضعهم جميعا في سلة واحدة، رغم أن بعضهم يحقق أرباحا سنوية ويدفع الضرائب والإتاوات، لكن النقد يطال معظمهم.

سلة النقد تحمل الكثير من النقاط، وتحميلها للحكومة المسؤولية وراء ذلك بسبب: المزايا الوظيفية "العالية" والمالية في بعض الأحيان للإدارات العُليا والمتوسطة دون وجود مُبرِّرات تجارية مقنعة، ومزاحمة بعض الشركات للقطاعات التي تعمل بها، خاصة بعد "تفريخ" شركات صغيرة ومتوسطة تابعة للشركات القابضة، وضم الحسابات المالية لهذه الشركات بعضها ببعض لتتمكن من القيام بالمعالجات المحاسبية التي تخفي أو تُقلل من الخسائر المالية إن وُجِدت، ولا تُظهر الأداء المالي لكل شركة على حدة، وعدم وجود شفافية وحوكمة مثلما يُطلب من الشركات المساهمة العامة؛ بمبرر أنَّ المعلومات الإدارية والمالية متاحة فقط للملاك وهي الحكومة، وعدم تخصُّص ومهنية مجالس الإدارة وتكرار أسمائهم، والمحاباة والمجاملة للبعض رغم عدم تخصُّصهم في التوظيف والترقية، وعدم اتباع معايير التوظيف المتعارف عليها، والتغطية على الأخطاء والتقصير إن وجد، والتحكُّم في هذه الشركات وكأنها ملكية خاصة، إضافة لمركزية اتخاذ القرارات من إدارة الشركات القابضة، ومع كل هذا استمرار الدعم الحكومي السنوي (التشغيلي والرأسمالي) لمعظم هذه الشركات، والمفاضلة في تعامُل الحكومة معها مقارنة بالقطاع الخاص المستقل، وارتفاع كُلف التشغيل وغيرها من ملاحظات هنا وهناك.

سلة نقد لاذع -إنْ صحت هذه المعلومات- تحتاج إلى عمليات تصحيح عاجلة، ولتقليل هذه السلة الدسمة يلزم تنفيذ توجيهات السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في حوكمة الشركات الحكومية بشكل فعَّال ومهني، واتباع أعلى المعايير المتَّبعة في النزاهة والمساءلة للجميع، وعدم الخلط بين المصلحة الوطنية التي تشمل أكبر شريحة من المجتمع بالمصالح الشخصية الضيقة، والتعامل مع كل شركة على حدة لمعرفة الإنجازات والإخفاقات لتفادي خلط المنجز بالمتعثر، وتمكين الأجهزة الرقابية من أداء أعمالها بشكل مهني ومستقل دون ممارسة أي أشكال الابتزاز أو الضغوط، وإتاحة الفرصة للأجهزة الإعلامية للقاء الإدارات العليا وإتاحة الفرصة لهم للاطلاع على الأرقام والحقائق والمؤشرات بشكل دوري، وإجراء التحقيقات الصحفية، وإقامة المؤتمرات الصحفية الدورية، والتشاور مع المؤسسات الاستشارية الأكاديمية في مراجعة الإستراتيجيات والسياسات المتبعة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية.

فكُلما كانت المكاشفة والمصارحة والشفافية والتفاعل الإيجابي والمسؤولية الوطنية والمهنية حاضرة، تحقَّقت النزاهة والمساءلة وتصحيح المغالطات والحوكمة بكل تفاصيلها وعناصرها؛ وبذلك تضمن الدولة تزايد فرص النجاح وتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة التي تتوافق حرفيًّا مع رؤية "عمان 2040"، ومع الخطاب العملي الأول للسلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- خاصة وأنَّ هذا الملف "الشركات الحكومية" داخلي ويُمكن معالجته في أسرع وقت ممكن.