البحث عن الفراغ المفقود

 

طالب المقبالي

يكثر الحديث بين أوساط العاملين عن ملء أوقات الفراغ بعد التقاعد من العمل، فقد مضى على تقاعدي شهران وما زلت أبحث عن ذلك الفراغ الذي يخوفنا به كثير من الناس فلم أجده.

إنّ منهج التخطيط السليم ودراسة استغلال أوقات الفراغ مطلب يجب أن يتّخذه كل إنسان قبل أن يحين موعد التطبيق. وهذه الثقافة يجب أن يتحلّى بها الجميع، فالفراغ نعمة إلهية من نعم الله علينا، لذا يجب استغلالها في ما هو نافع ومفيد.

فأول ما ينبغي على المتقاعد هو الاهتمام بأداء الواجبات الدينية المفروضة عليه من خلال المواظبة على الصلوات في أوقاتها في جماعة، ثمّ تلاوة وحفظ القرآن الكريم قدر الإمكان والاستطاعة، وكذلك صلة الأرحام. ففي أوقات العمل فإنّ التقصير في الواجبات الدينية وارد، وإن حرصنا على أداء الواجبات المفروضة كالصلاة والصوم والزكاة.

لذلك يجب علينا الاهتمام أولاً بهذا الجانب، ثمّ بعد ذلك تأتي الاهتمامات الأخرى، ومنها زيارة الأصدقاء، ثمّ مشاركة المجتمع في مناسباته المختلفة في الأفراح والأتراح، ثمّ الانتساب إلى الفرق التطوعية الأهلية، ثم المشاركة في الأندية وصالات الألعاب الرياضية واللياقة البدنية، ثم الترحال وزيارة الأماكن التي طالما حلمنا بزيارتها ولم يسعفنا الوقت في زيارتها لانشغالنا بالعمل.

ولا ننسى الأنشطة المنزلية كالاعتناء بالحديقة المنزلية، والمكتبة، ولا يمنع من ممارسة بعض الأنشطة المنزلية.

أمّا بالنسبة للكتاب والأدباء فإنّ الفرصة مواتية لترتيب مكتباتهم المنزلية، ووضع برنامج يومي للقراءة والمطالعة والكتابة والتأليف بما يرفد المكتبات.

أمّا وإنني قد أصبحت أحد المتقاعدين فإنني على يقين تام بأنّ كثيرا منكم وأنتم تقرأون هذا المقال في لهفة وشوق لمعرفة برنامجي الذي سرق مني وقت فراغي بعد التقاعد وأنا في بدايات أيام هذه المرحلة.

لا أخفيكم أنني منذ زمن أخطط لهذه المرحلة، وقد وضعت خططاً وليست خطة واحدة، وقد بدأت بإحداها قبل أيام، وهناك خطط وأجندات عديدة لم أبدأ فيها بداية حقيقية لانشغالي بأمور تصادف وقوعها مع بداية التقاعد مما أعاق الكثير من مخططاتي.

يوم السبت الماضي بدأت في تنفيذ واحدة من الخطط فباشرت العمل في مكتبي التقاعدي من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة السادسة مساءً بشكل متواصل، مع فواصل ضرورية لصلاتي الظهر والعصر وتناول طعام الغداء، وكل هذا لم يأخذ سوى ساعة واحدة أو أقل من ذلك.

فخلال الساعات الثماني التي قضيتها في المكتب أنجزت ما يقدر بواحد في الألف مما ينتظرني في هذا الجانب.

وهناك العديد من الجوانب المتعددة التي تضمنت خطتي، ومنها تأليف كتابين أو ثلاثة بإذن الله، ثم ترتيب أرشيف لآلاف الصور القديمة التي تنتظر فرزها وترقيمها وتاريخها ووضعها في أرشيف يسهل الرجوع إليها وتوفيرها للجمهور عبر شبكة الإنترنت.

وهناك ثلاثة مشاريع هامة في حياتي خططت لها وقد بدأت في أحدها كما أسلفت، والثاني ينتظر مني التفرّغ لتنفيذه، وهذا الفراغ غير متوفر في الوقت الراهن. أمّا الثالث فهو من بين الخطط التي رسمتها لنفسي وكانت من الأحلام وقد انتهت وتحقق الحلم بفضل الله تعالى.

ربما لا أستطيع الإفصاح عن بعض الخطط في هذه الأوقات، ولكن سيأتي اليوم الذي استعرض فيه جميع إنجازاتي التي كان العمل عائقاً في تحقيقها، وقد تحققت، أو على أقل تقدير بدأت بوادر نجاحها تظهر، وأصبح بعضها ملموساً ولله الحمد وأنا بالكاد أكملت شهرين منذ تركي العمل.

لقد حاولت أن أمنح نفسي بعض الوقت لتنفيذ جانب من خططي، ألا وهي الرحلات، لكن مشاريعي مرتبطة بالمكتب فلا بد من البدء فيها وإلا لن تتحقق الأهداف المرسومة.

يعتقد كثير من المقربين أنّ من بين خططي بعد التقاعد هي مواصلة كتابة المقالات والأعمال الصحفية، نعم فالعمل فيها متواصل بإذن الله، لكن في الواقع هذه ليست من خطط التقاعد لأنني كنت أمارسها وأنا على رأس عملي، وبالتالي ليست من ضمن الأجندة.

الحياة استمرارية، وهي شعلة متقدة، إذا اهتممنا بها ستظل وقادة وإن أهملناها فسوف تنطفئ وتخبو إلى الأبد.