مستقبل الشركات الحكومية

 

فايزة الكلبانية

مضامين واعدة وطموحة جاءت في خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- تطرقت إلى جميع مجالات الحياة والنهضة العصرية ومواكبة متطلبات الحياة والنمو الاقتصادي ورغبات الشباب واحتياجات المجتمع ومؤسساته.

ولقد تطرق جلالته- أيده الله- إلى الشركات الحكومية: "وسنعمل على مُراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية"، وقد سبق ذلك ذكر عدد من المجالات التي سيتم العمل على إعادة النظر فيها وتحسينها أيضا بدءًا من إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وترسيخ قيم العمل ومبادئه وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة لضمان المواءمة والانسجام التام والكامل مع رؤية جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه-، وهذه العوامل جميعها مكملة ومواكبة لما يتطلبه تحسين وضع وتطوير أداء الشركات الحكومية أيضًا لتعمل اليوم كعنصر رئيسي فاعل ومساهم في التنمية بدلاً من كونها تشكل عبئا آخر على ميزانية الحكومة والمالية من منطلق أن "الحكومة هي المساهم الأساسي في تكوينها، والوقوف على متطلباتها وعمليات التشغيل فيها".

وفي العهد الجديد المرتكز في جوهره على "رؤية عمان 2040"، فإنَّ الأمر يتطلب تنظيم الأدوار بين القطاعين العام والخاص، في ظل الخطط الرامية إلى زيادة معدلات التخصيص وفق الضوابط المعروفة، فالتخصيص سيكون ناجحاً إذا ما وضعت له ضوابط عمل واضحة تضمن نجاحه، وبمعالجة سلبيات التخصيص بوضع خطط مدروسة، ستتحول الشركات الحكومية وما يعترضها من تحديات جعلتها عبئاً على مالية السلطنة إلى تحقيق أرباح، ومنها سيؤدي ذلك إلى تطوير النظام الضريبي وتكون نموذجا اقتصاديا أمثل.

وخلال الخمسين سنة الماضية عملت الحكومة الرشيدة على تأسيس الشركات الحكومية خشية عدم قدرة القطاع الخاص على الإسهام في النمو، وتخوفه من الإقدام على الاستثمار بتكلفة عالية، لكن اليوم آن الأوان لتخصيص الشركات ضمن ضوابط وفلسفة معينة تحمي حقوق الجميع.

وتركيز خطاب جلالته على  مُراجعة أداء الشركات الحكومية، يجعل القطاع الخاص متفائلاً في ظل الشكاوى المتكررة من منافسة الشركات الحكومية في تنفيذ بعض المشاريع، في حين أنه من المفترض أن يكون دور الحكومة إشرافي ورقابي، على أن يتم إسناد تنفيذ الأعمال لشركات القطاع الخاص. ولذا إما أن يتم توضيح دور الشركات الحكومية خاصة وأنها تعتمد على أموال الخزينة العامة للدول في تمويل مصاريفها الاستثمارية والإنمائية والتشغيلية، والذي سيشكل عبئاً كبيراً  في المرحلة القادمة ولابد أن تستقل بذاتها من خلال العمل على خصخصتها وزيادة عوائدها وأرباحها واعتمادها في تمويل مصروفاتها التشغيلية على كفاءة وجودة أعمالها، وإلا فإنها اليوم تنافس القطاع الخاص وقائمة بأعماله وصلاحياته.

ومن هذا المنطلق نرى أنَّ عملية المراجعة الشاملة لأداء الشركات الحكومية تعكس الإرادة السامية لإعادة تنظيم المنظومة الاقتصادية، وقطاع الشركات الحكومية تحديدًا، وعندما يتم ذلك فإنَّ عملية المراجعة يجب أن تشمل الهيكل الإداري لهذه الشركات، والموازنة السنوية وإسهامها الاقتصادي، والعمل على وضعها على مسار الحوكمة والإدارة الرشيدة، مع تقليص الدعم المخصص لها، لاسيما إذا كانت شركات ربحية.

وكل ذلك من أجل بلورة رؤية واضحة تستهدف تعزيز التنويع الاقتصادي وزيادة مساهمة هذه الشركات في الناتج المحلي الإجمالي، وتوظيف الشباب، ورفع نسب التعمين، وغيرها من التطلعات التي نطمح لها جميعًا.