ناصر بن سلطان العموري
ربما الكثيرون من أبناء هذا الجيل لم يتذكروا الخطاب السامي لمولانا الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- حين تسلَّم زمام الحكام قبل 50 عاماً من الآن، لكنهم عرفوا تفاصيله ومضامينه من كتب التاريخ العُمانية ومواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي، لكن الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يوم الأحد الماضي كان خطاب الحداثة والجيل الجديد، بل ولحق به الجيلان جيل النهضة الأولى في السبعينات وجيل النهضة المتجددة.
لن أدخل في مضامين الخطاب بعمق ولكني أنقل لكم أسلوب المُواطن البسيط الذي كان الخطاب السامي بالنسبة له خارطة طريق لعُمان حديثة حيث فيها الآمال والتطلعات فوق هام السحب وهذا ما لمسته بعد بث الخطاب من خلال النقاشات التي دارت حوله في مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال اللقاءات المُباشرة في الأماكن العامة. ولن أزعم أنني متخصص في التحليل الاقتصادي أو السياسي أو حتى الإداري ولكن سوف أتطرق عبر هذا المقال إلى عدة نقاط أراها مهمة للغاية تضمنها الخطاب السامي.
وضع خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم النقاط على الحروف في كثير من المواضع ومن أهمها النزاهة والمحاسبة، وهذا تحديدا ما طالبت به في مقالات سابقة بتفعيل "من أين لك هذا؟" وبدء المُحاسبة من المسؤول الأكبر إلى الموظف الأصغر، فأموال الدولة ملكية عامة لا يجوز العبث بها بتاتًا ولو التفكير في ذلك وحتى وإن حصلت حوادث لاحقًا فلا صفح ولا غفران ليكون الفاعل عبرة لمن يعتبر فالوطن يأتي أولاً فوق الجميع.
ولطالما كان القطاع الحكومي المتمثل في الجهاز الإداري هو عمود التنمية الوطنية ويحمل العبء مع شريكه القطاع الخاص، فإنَّ إعادة هيكلة الجهاز الإداري أمر مطلوب فتغيير رداء القطاع الإداري يفرضه الوضع الراهن خاصة في ظل ما يشهده من خمول وبطء في إجراءاته ببعض القطاعات لاسيما الخدمية منها، كما أنَّ دمج القطاعات والجهات التي تقوم بأدوار مشابهة بات ضرورياً وهذا معمول به الآن في دول كثيرة لاسيما أنَّه سوف يساهم توفير النفقات وزيادة الدخل.
وبالنسبة لمُراجعة أداء الشركات الحكومية، فمن المفترض أن تُعطي هذه الشركات لخزينة الدولة أكثر مما تأخذ، لكن الواقع لدينا يقول غير ذلك، فبعض هذه الشركات- وليس الكل- أصبحت عبئاً على كاهل الدولة بل وأصبحت تستنزف أموالاً طائلة دون تقديم إضافة قيمة، فالمُراجعة هنا لا غنى عنها لمعرفة أوجه القصور لدى البعض وإلغاء من لا يفرض نفسه ويقدم الإضافة المطلوبة للوطن.
وفيما يتعلق بتطوير منظومة اتخاذ القرار، نأمل بعد هذا البند محاسبة أصحاب القرار لأنفسهم قبل أن يحاسبوا، وأعتقد أنه من أهم عوامل التطوير هنا التقييم ويأتي التقييم من خلال نجاح المؤسسة ونجاح المسؤول، فمتى ما وجد المسؤول الناجح كانت المؤسسة حليفها النجاح ويشهد لها القاصي والداني.
كما إن القوانين والأنظمة الحالية آن لها أن تُحدث وتُطور بتغيير الواقع المحيط بها، إذ إنَّ هناك فجوة بين القوانين العتيقة التي عفا عليها الزمن وبين ما يشهده هذا العصر من تطور التقنيات، ومن هنا بات لازمًا ومن أجل مستقبل أكثر أمنا أن تُطور القوانين بما يتناسب العصر الحديث.
أما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فهي بين مطرقة أصحاب الشركات الكبرى المحتكرة للأعمال والأموال وبين سندان القوانين والأنظمة التي يرون أنها تمثل عقبات وتحول دون نجاحهم، والدليل أن هناك مؤسسات صغرى أقفلت أبوابها وأصبح أصحابها مديونين في بداية مشوارهم، فأين هي دراسة الجدوى والمتابعة التي تقوم بها الجهات ذات العلاقة لحماية مثل هذه المؤسسات ودعمها لاسيما أنَّ المؤسسات الصغيرة لدى بعض الدول تمثل الانطلاقة لاقتصاد قوي مزدهر كونها هي حجر الأساس.
الشباب هم عماد هذه الأمة ومستقبلها المشرق وهم الفئة المنتجة التي سيقوم عليها الوطن وهم الشريحة الأكبر من المجتمع العماني دعم الشباب الاستفادة من الكفاءات الوطنية يجب أن يكون على سلم الأولويات وأن توفير البيئة المحفزة لهم والتي تساعدهم على الإبداع لخدمة عُمان هذا مع السعي لتمسك بهويتهم الأصيلة وعمان ولادة بالكفاءات الوطنية التي ترتقي بعُمان لمصاف الدول المتقدمة شريطة إعطاء الفرصة لهم وعندها تكون الانطلاقة.
كانت وما تزال النفس البشرية ضعيفة أمام المادة بكافة أنواعها ولكن تحكيم العقل وتقوية الوازع الديني هو الدرع الحصين ضد نوازع النفس ومن هنا يأتي الهدف الأسمى إعلاء مصالح الوطن على المصالح الشخصية فحين تغلب المصلحة الشخصية على العامة يضيع الهدف وتصبح الاستفادة سلبية أما حين يكون الهدف هو الصالح العام لخدمة الوطن فهنا يرتقي الإنسان في حبه لوطنه وهو الهدف المنشود.
وتظل عُمان دولة قانون ومؤسسات كما بناها السلطان الراحل- طيب الله ثراه- فلا فرق بين هذا وذاك ولا مواطن ووافد طالما أنهم يعيشون على تراب هذا الوطن فالقانون يجب أن يشمل الجميع مهما كان منصبه ولونه وقبيلته وتظل المؤسسات هي الرائدة في النهضة المتجددة والداعمة لها عُمان كانت وماتزال دولة أمن وأمان فالحقوق فيها متاحة والحريات بها مصانة وحرية التعبير مكفولة طالما أنها كلها وسائل تحقق غرضاً مشترك وهي رفعة عُمان وعلو شأنها.
ولا ننسى تلكم الشيماء المرأة العُمانية شريكة الرجل حين قادت المسيرة منذ بدء النهضة المباركة في عصر السلطان الراحل -طيب الله ثراه- والذي قدر المرأة وأعطاها حقوقها كاملة دون نقصان كما كفلها ديننا الحنيف وتحديد يوم 17 من أكتوبر ليكون يومها السنوي ويكفي أن نعلم أن السلطنة حازت عام 2018 المرتبة الأولى في تمكين المرأة من حقوقها، وفقا لتقرير سنوي عن مؤسسة المرأة العربية فأي فخر أعز من أن تكون المرأة عُمانية.
وهناك آمال كثيرة وطموحات عديدة يترقبها جل المواطنين منها إيجاد حل جذري وناجع للباحثين عن عمل وتراكم الخريجين أفواجا عديدة، كما أن تأخر الترقيات باتت مُعضلة يجب عدم إهمالها لاسيما أنها تمس القطاع الإداري الحيوي المحرك الرئيس للتنمية المستدامة ... كلنا مع جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في نهضة متجددة شاملة سائلين الله أن يسخر له البطانة الصالحة التي تعينه في مسيرته القادمة لنهضة متجددة.