كرسي الحلاق

جابر حسين العماني

ينبغي على الإنسان أن يكون طموحًا في حياته الاجتماعية والأسرية؛ فالطموح أمر مشروع ومحبوب إلى النفوس؛ فهي لا ترضى بغير العُلا والازدهار والتقدم في الحياة.

ومن أهم الأمور التي لابد للإنسان أن يسعَى إليها في عالم الحياة؛ هو: الترقي في المناصب العلمية والعملية؛ وذلك لأجل خدمة المجتمع والوطن، فإن النفوس مجبُولة على حب الترقي في المناصب الحياتية؛ فهذا حق لابد للإنسان أن يسعى من أجله وبسببه، ليتمكَّن من خدمة وطنه ومجتمعه؛ فمن الطبيعي أنه لا يوجد في عالم الحياة عاقل يعارض حب الطموح والترقي والنجاح والازدهار وتقديم أفضل الخدمات لمن حوله.

ولكن!

تكمُن المشكلة في عَبَدة الكراسي الذين يقدمون حب الكرسي ومصالحهم الشخصية على مصلحة الجميع، فهم يسعون جاهدين لنيل المناصب لكسب المال والجاه، وليس بهدف تقديم الخدمات الجليلة والواعدة للناس، أو لأداء واجب ملقى على عاتقهم، أو تحقيق أهداف وطنية واجتماعية مهمة في خدمة الناس، وإنما يسعون ويجتهدون للحصول على تلك الترقيات والمناصب من أجل الجلوس على الكرسي المستدير، ليتأمروا على من حولهم، وليظهروا أنفسهم أنهم أصحاب شأن وجاه عظيمين في المجتمع.

الكرسي هو همُّهم الأول؛ فهم في سبيله يدوسون بأحذيتهم على القيم والمبادئ الإنسانية والاجتماعية، فلا يسألون عن الحلال والحرام، بل ولا يهمهم ظلم وقع، أو حق ضاع.

إنَّ الذي يهمهم هو مصالحهم الشخصية التي يقضونها بسهولة من خلال كرسي المنصب الكبير، وهم لا يعلمون أن تلك المناصب لا تدوم، وأن ما يدوم هو النجاح والإخلاص والإبداع في العمل فقط، أما الكراسي التي يجلسون عليها فما هي إلا لوقت محدود، وقصير تماما ككرسي الحلاق، الذي لا تسمع عنده إلا عبارة: فليأت الذي بعده، فكما أن كرسي الحلاق لا يدوم عليه زبون؛ فكذلك أيضا كرسي المنصب لا يدوم عليه مسؤول، نعم! قد يعود إليه المسؤول وقد لا يعود، لكن العِبرة من التشبيه هنا: أن المدة قصيرة وليست طويلة "فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك".

لذا؛ فإنَّ من الأمور التي اهتم بعلاجها الإسلام الحنيف هي: علاقة أصحاب المناصب والكراسي بالناس، فصاحب المنصب الكبير والكرسي المستدير هو القائد الذي ينبغي عليه أن يكون رساليا في منصبه، مراعيا حقوق الله في عباده؛ بحيث يجعل من عقول الناس مستنيرة بالحق، وحياتهم مليئة  بالعدل والمساواة والإنصاف، وخطواتهم تسير على الصراط المستقيم، فتلك هي مسؤولية عظيمة حمَّلهم الله سبحانه وتعالى إياها في مواقعهم ومناصبهم وكراسيهم، فمن المعيب الاستهانة بالمسؤولية الاجتماعية وعدم إعطائها الحق الكافي من الإخلاص، والوفاء، والعدل الاجتماعي بين الناس.

هذا ما عبَّر عنه أمير الكلام الإمام علي بن أبي طالب عندما تحدَّث مع ابن عمه حبر الأمة عبدالله بن عباس، وهو يراه يخصف نعله، فقال له الإمام علي: "ما قيمة هذه النّعل؟"، فقال: "لا قيمة لها"، فقال الإمام: "والله، لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً"؛ لا قيمة للإمرة عندي، إنَّها تثقلني، ولكنَّ هذه النّعل تحمي قدمي من برد الشتاء ومن حرارة الصّيف، وإنّما قبلت الإمرة لأنّها الوسيلة التي تجعلني أقيم الحقّ الّذي فرضه الله سبحانه وتعالى.

 فما أجمل أصحاب المناصب عندما يصلون إلى الكرسي ويكون هدفهم العمل المخلص والجاد في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم من خلال المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فإنَّ المسؤولية هي حالة يجب أن يكون فيها الإنسان صالحا للمؤاخذة والانتقاد البناء على أعماله التي قدمها ويقدمها، بل ويكون ملزما بتبعاتها الدينية والأخلاقية والاجتماعية، فقد قال الله سبحانه وتعالى: "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، وقال تعالى: "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى"، فمن يجلس على كرسي المنصب والمسؤولية هو محاسب أمام الله والمجتمع على: الكلمة، والابتسامة، والنظام، واحترام الوقت، والعمل، والمال، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟

إن الجلوس على الكرسي ما هو إلا عمل تكليفي وليس تشريفيًّا؛ لذا ينبغي الإخلاص والوفاء في العمل، فكما أن الزبون يطلب من الحلاق حلاقة طيبة تُظهِره بشكل أنيق وجميل، كذلك هو منصب المسؤولية، فإن المجتمع يُطَالِب المسؤول بالعمل الأجود والأفضل والأجمل، وهذا لا يكون إلا من خلال احترام كرسي المنصب والمسؤولية، وعدم استغلاله إلا فيما يرضي الله تعالى.