مقتضيات التنمية

خلفان بن سليمان البحري

من المؤكَّد أن نمو اقتصاد أي بلد لم يكن نتاج الصدفة، وإنما هو حَصيلة جهود تضافرت لتحقيق جُملة من الأفكار والرؤى الاقتصادية، اتُّخذت بشأنها التدابير اللازمة، ووضعت السياسات الممكنة، واتخذت القرارات السليمة، وطبقت الإجراءات الإدارية، ونفذت المشروعات الاستثمارية المخطط لها، وقدمت لها الخدمات والتسهيلات، وهي خطوات  متبعة ومتصلة مع بعضها البعض مُكوِّنة سلسلة من القطاعات الإنتاجية والروافد الاقتصادية.

ولو اطَّلعنا عن قرب، لوجدنا أن دوافع النمو الاقتصادي جاءت نتيجة فحص عميق لمتطلبات التنمية المستدامة، وتخطيط سليم وتنفيذ متسارع فاعل نحو تلبيتها، وبين الفحص والتنفيذ دراسات واستنتاجات اسُتندت إليها في اتخاذ القرارات.

ولضمان تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تكفل استمرارية الازدهار لهذا الوطن، فإنه يستوجب العمل بمواطنة صالحة وبفكر متجدد متقد، وبحكمة وفطنة، وبإدارة حصيفة للشؤون الاقتصادية؛ فمقتضيات التنمية تنطلق من الحاجة والكِياسَة لتحريك أجندة اقتصادية طموحة تصاحبها تحسينات في الهياكل الإدارية، وتطوير في الأنظمة التعليمية والتدريبية، والارتقاء بالأساليب الخدمية التقليدية إلى الرقمية والإلكترونية، والاستعانة بالمسرعات الإنتاجية والاهتمام بالعقول وتبني الابتكارات الوطنية وتسخيرها في تنمية القطاعات الواعدة، والتركيز على ذوي العائدات العالية.

إنَّ قيام جهاز إداري مستقل تؤول إليه إدارة الشؤون الاقتصادية وتنفيذ الرؤية المستقبلية وتوجيه البوصلة الاستثمارية مُمكَّن بالمؤهلات العالية والخبرات المتمرسة، سيُسهم في توحيد الجهود المبذولة في الجهات المختلفة وتقليص الإجراءات المتعددة، وسيكون أداة فاعلة للحد من الأعمال المزدوجة والقرارات المتضاربة مع احتياجات قطاعات التنمية، لا سيما القرارات المتعلقة بشؤون مصالح القطاع الخاص الذي يُعول عليه كمحرك رئيسي للتنويع الاستثماري والنمو الاقتصادي. فمن خلال هذا الكيان، وبما يُتاح له من صلاحيات تخطيطية وتنفيذية وأجهزة تكميلية مساندة، سيعمل على إعادة برمجة أولوية المشروعات من خلال قراءات حقيقية بمدى مساهمتها في الاقتصاد الوطني، ودراسات تحليلية تفصيلية وأخرى تطبيقية، واستطلاعات دورية للتقصي من جميع القطاعات، وتواصل مستمر مع الشرائح ذات العلاقة، والاطلاع المستمر على الاستثمارات وتحدياتها وتطلعاتها والتقصي والدراسة المكثفة عن قرب، والأخذ باستنتاجاتها في اتخاذ القرارات المعنية بالشأن الاقتصادي؛ تفاديا للتأثيرات المباشرة والجانبية على مختلف القطاعات.

كما أن الحرص على نمو قطاعات التنمية الواعدة الواردة في الرؤية المستقبلية 2040 كالصناعات التحويلية والسياحة والتعدين والثروة السمكية والزراعية والأعمال اللوجستية، يستوجب العمل على تحقيقها برؤية واضحة وبأهداف محددة وبجهود موحدة وبمتابعة رصينة تقيس الأداء حسب المؤشرات والفترات الزمنية المستهدفة، وهنا يأتي دور هذا الجهاز أيضا.

مجمل القول.. إنَّ سياسات التنمية المستدامة مبنية على المبادئ الاقتصادية، وعلى الفهم والدراية والوعي بأهمية خلق إيرادات مستمرة تحقق نموًّا اقتصاديًّا من خلال القطاعات الإنتاجية المختلفة، كما أنَّ الإدراك بأهمية ذلك من جميع شرائح المجتمع والإسهام في الإنتاج بشتى الطرق المتاحة سيكون عونا في بناء اقتصاد مستدام.

تعليق عبر الفيس بوك