خطاب الشعب (1)

د. عبدالله باحجاج

هكذا يُمكننا أن نُطلق على خطاب حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم-حفظه الله ورعاه-، وهكذا توارد إلى ذهننا هذا المسمى بُعيد الانتهاء من الخطاب، فرغم واقعيته السياسية إلا أنَّه لامس مشاعر وعواطف كل عماني، وقد كان وليد لحظة السلطنة التاريخية ومُحيطها السوسيولوجي "الاجتماعي" وهذا يعني أننا أمام إرادة سلطانية قد عبَّرت في خطابها اليوم عن إرادة سياسية واضحة لا تقبل بعد اليوم التأويل ولا التفسير.

حيث يُمكننا القول الآن أنه تتوفر لدينا مُقاربة شمولية تستهدف تحديث كافة الحقول السياسية في البلاد عبر صياغة فلسفة خاصة لجلالته لها منطلقان أحدهما تاريخي وهو يكمن في الحفاظ على مُنجزات نهضة المؤسس الراحل -طيب الله ثراه-، واستمرارية الوفاء له، والآخر حداثي يُعزز نهضة الراحل، لكن ببصمات العهد السياسي لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله-.

وتلكم رؤيتنا الأولية والفورية لخطاب جلالته أمس، ولن نتمكن في هذه الكتابة من تحليل الخطاب من كافة جوانبه، إلا أننا نرى أنَّه قد جاء مُخاطبا لاهتمامات اللحظة من منظورها الواقعي، وهو بذلك يدك مضاجع اللوبيات وتموقعاتها المُتجذرة، فالعزم على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وترسانة التشريعات والقوانين، سيجعلها تعيش في قلق على تموقعاتها الوظيفية، كما إنَّ مخاطبة الشعب بهذه الفقرة الهامة جداً وهي "أن الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم سيكون عنوان المرحلة" والكل يعلم ما هي طموحات وآمال الشعب الذي يحد من تحقيقها ترهل وثقل الجهاز الإداري للدولة وتعقيدات اتخاذ القرار واستحكام اللوبيات عليه، وهي- أي الفقرة- تتغلغل في وجدانيات كل مُواطن وخاصة الشباب الذين كان لهم نصيب مركزي في الخطاب عبر الوعد على انفتاح المرحلة لاستيعاب حقوقه الأساسية.

وكم وقفت كثيراً عند فقرة تعهد سلطاننا -حفظه الله-، وكم أتعبتني دلالتها، وكم لامست عمق وعي بها، وهنا ندعوكم إلى التأمل فيها، سترون أنَّ الفقرة التالية من خطاب جلالته تكفي لوحدها أن تشكل ملامح العهد السياسي لعاهل البلاد، ففيها يقول "وإننا إذ نُعاهد الله عزَّ وجلَّ على أن نكرس حياتنا من أجل عُمان وأبناء عمان كي تستمر مسيرتها الظافرة ونهضتها المباركة، فإننا ندعوكم أن تُعاهدوا الله على ذلك"، هنا دعوة للالتزام المتبادل، وهذا يشكل جوهر العقد الاجتماعي الجديد بين السلطتين السياسية والاجتماعية.

ويستطرد جلالته كذلك قائلاً "ونحن لعلى يقين تام وثقة مُطلقة بقدرتكم على التعامل مع مقتضيات هذه المرحلة والمراحل التالية بما يتطلبه الأمر من بصيرة نافذة وحكمة بالغة وإصرار راسخ وتضحيات جليلة".

وفِي الفقرة الأخيرة إشارات واضحة بحجم التحديات المُقبلة التي تحتم تضامن وتكاتف الشعب مع قيادته، وثقة مطلقة من لدن عاهل البلاد بشعبه.

هذه قراءة أولية وسريعة لما التقطته خاصية استماعنا الفورية من خطاب عاهل البلاد التاريخي، وهو كذلك تاريخيًا بسياقاته الزمنية ومضامينه الشمولية وكونه يشكل ملامح عهدنا السياسي الجديد الذي أدخلنا لآفاق جديدة وتطلعات واعدة إن شاء الله.