عفوًا.. المتنزه مغلق!

إبراهيم الهادي

على طريقة القصِّ القديم..  مَلِك أعرج يرى بعين واحدة، دعا فناني قصره، ليرسموا له صورة؛ بشرط أن لا تُظهر عيوبه، فأعجز من حَوْله، إذ كيف يرسمونه بعينين وهو لا يملك سوى واحدة؟! وكيف يُصورونه بقدمين سليمتين وهو أعرج؟! وكيف وكيف؟!! بيد أنَّ أحدهم تفتَّق ذهنه عن تصوُّر للملك، واقفاً وممسكاً ببندقية الصيد، يُغمِضُ إحدى عينيه ترقبًا لفريسته، ويحني قدمه متكئًا عليها، وهكذا خرجت الصورة بلا عيوب ونالت الاستحسان.. وانتهت الحدوتة.

نعم انتهتْ حكيًّا، لكنها لم تَنتهِ واقعًا، بصُورةٍ أو أخرَى.. واقعًا نَرَاه في محاولات الكثير من المعنيين والمسؤولين في قطاعاتنا الخدمية تحديدًا، وهم لا أقول يبررون -لأنهم تخطوا هذه المرحلة بمسافات واسعة واحترافية عالية- وإنما وهم يُزينون تقصيرهم وبعض الوقائع العرجاء من نتاج جهودهم، ليقدِّموها لنا عبر وسائل الإعلام المختلفة، صورةً إبداعية لما يقومون به، تُشبه ذاك الأعرج وهو يصطاد -بعينه العوراء- طائرًا غير موجود أصلاً!!

وأظن زاعمًا أنني وبلا شك، وكغيري من سكان ولاية العامرات الزاهية، والبالغ تعدادهم مائة ألف نسمة تقريبًا، نُدرك جزءًا من إسقاط هذه القصة على أرض الواقع، فالمنظر الذي يُطل على الطريق العام برونقه أمام الأبواب المغلقة للمتنزه الوحيد للولاية النابضة بالحياة، بات مُوِحشًا، بعدما تم إغلاق المتنزه منذ أواخر العام الماضي وحتى يومنا هذا، أَوْجَد تساؤلًا مشروعًا يقفز لا إراديًّا أمام الأعين عن الجُرأة التي تتمتع بها بلدية مسقط وهي تتخذ قرارًا بغلق متنزه عام عدة شهور في العام الواحد، بحجة الاستعداد لما قبل وبعد إقامة فعاليات مهرجان مسقط!! هذا المهرجان الذي تقوم عليه لجنة لَبِث فيها الأعضاء ربع قرن من الزمن، لكنه يأبى أن يشهد أي محاولات تحديث جادة ترقى لتطلعات مُرتاديه، واستحوذَ على مُتنزه عام مشروع كحق أصيل للمواطنين والمقيمين في الولاية وغيرها، ليضرب جميع القائمين عليه بقوانين الإغلاق عرض الحائط دون اكتراث لأحقية الأسر والأطفال في ارتياده كمتنفس طبيعي ضمن الحقوق الطبيعية التي نصَّ عليها النظام الأساسي للدولة.. الغريب أن هذا المتنزه لا يشهد حِرَاكا في التطوير، ولا تعزيزًا للخدمات، إلا وقت المهرجان فقط!

أقول ذلك، ووسائل التواصل الاجتماعي -على الأقل- حُبلى بالعديد من الأفكار والمقترحات والحلول الرائعة لإشكال غلق متنزه العامرات العام، من مُواطنين عاديين بُسطاء، لا أدري كيف لم تنمُ إلى عِلْم المسؤولين والكبار في بلدية بحجم بلدية مسقط، لإطلاقها قبل أن نقول اليوم تبنيها وتنفيذها؟! واقع عجيب، وأسوق إليكم مثالاً -والذي كان السبب حقيقة وراء كتابة هذه السطور- أحد الحسابات التي تُتابع ما تتطلبه الولاية من خدمات، اقترح قبل يومين تخصيص المساحات الفضاء للمتنزه لتكون خاصَّة فقط بفعاليات المهرجان، ويتم عمل أبواب لها، تنأى بالبلدية والأهالي عن فكرة غلق أبواب متنفس العامرات العام -عذرًا متنزه- لأي حال من الأحوال، إلا أن هذا المقترح كغيره من كثير مقترحات طُرحت لم يلقَ صدًى.

ملمح آخر للصورة، تحمله هذه المرة شوارع ولاية العامرات، والتي باتت تشهد نموًّا سكانيًّا مضطردًا، بفعل توافد السكان عليها من مختلف المحافظات؛ جعلها بحاجة ملحة لتوسعة الشوارع ورفدها بخدمات إضافية تلبِّي متطلبات السكان، وقائمة مطالب بخدمات عاجلة تطول ولا يسع المقام هنا لذكرها.

وبين حدوتة مرويَّة، وواقع مُشَاهَد عيانًا بيانًا، تبقى التساؤلات مشروعة: ماذا لو اتَّسعت نظرة المعنيين ببلدية مسقط وخصصت ميزانية المهرجان لوضع تصوُّر هندسي يخلِّص المارة من عقبة العامرات-بوشر، ليكون نفقا جبليا مريحا ومختصرا، بدلا من العقبة الشاهقة التي لا يمر لها يوم إلا ويقع بها حادث مروري؟! وماذا لو خصَّصت ميزانية عام آخر من المهرجان لعمل جسور علوية ومسارات وحارات جديدة في طرقات العامرات المكتظة بالزحامات المرورية، في الدوارات بمجملها، وطرق المنطقة الخامسة، ومدينة النهضة والجفينة، وتخصيص جسر أو مسار جديد مُؤقَّت على ضفاف دوار الشرطة للقادمين من مناطق الحاجر وقريات وصور إلى ان يتم يعمل جسر خاص بذلك؟!

نحن أمام مرحلة جديدة تُضاف إلى عُمر نهضتنا المباركة، نتوقَّع بشغف بالغ لطريقة تعامل مختلفة من بلدية مسقط مع خدمات المناطق الواقعة في نطاقها، تسعى من خلالها لإعادة ترتيب أوراقها، مدركةً مهامها في تطوير ولايات ومدن العاصمة، وأن تغير قناعاتها لتجعل المهرجانات في الترتيب الثاني على قوائم الأولويات بعد الخدمات الأساسية للمواطن والمقيم.