د. أحمد بن عبدالكريم بن عبدالله
إنّ التخطيط للحياة يعتبر من أهم أسس النجاح، حيث إنَّ وضوح الرؤية والأهداف إذا ما ارتبطت بالقيم والمبادئ الخلاقة للإنسان ستسهل عليه حتماً ترتيب الأولويات التي سيحتاجها للوصول إلى أهدافه وبالتالي جعله أقدر على أن يكون مفيداً وفعّالاً في عمله ومجتمعه، إذ إنه لابد له من إعداد وترتيب المهام والأعمال التي يجب عليه القيام بها وتقديمها على سواها حسب درجة الأهمية والزمن مع ضرورة التوازن بين هذه المهام والاحتياجات المُختلفة.
وهذا ما جاء في جدول إيزنهاور لتحديد الأولويات وما يُسمّيه ستيفن كوفي صاحب كتاب إدارة الأولويّات بالبوصلة الذي يعتبر من أشهر النماذج في توزيع المهام وتحديد الأولويات في التنفيذ، وبالتالي المساعدة على الإنجاز بشكل أكثر دقة وفعالية، فالشيء الأهم والعاجل لابد أن يُعطى الأولوية ثم يأتي بعده الأقل فالأقل منه وهكذا دون تضييع الوقت والجهد. والله سبحانه وتعالى يدعونا للتفكير والتخطيط السليم لحاضرنا ومستقبلنا ثم يأتي بعد ذلك التنفيذ والمتابعة، لذلك فقد فاضل سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بين عملين عظيمين وهما سقاية الحاج، والإيمان والجهاد وقدم أحدهما على الآخر وهو الإيمان والجهاد قال تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، كما جاء في السنة النبوية ما يدل على ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل) .
وبالتالي فإنَّ ترتيب أولوياتنا يُعد أهمية قصوى في الحياة وذلك حتى يمكننا تخطي العقبات التي يمكن أن تعترض طريقنا للنجاح، مع الاستعداد التام لإعادة توجيه هذه الأولويات حسب الظروف والمستجدات لمُعالجة حاجاتنا الأساسية، حيث إنَّ الفاعل والناجح في هذه الحياة ليس بالإنسان المنتج أو الذي ينجز الأمور فقط بل هو الذي يحقق النتائج المطلوبة في الوقت المتاح. وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الأفراد والمجموعات البسيطة بل يتعداها إلى جميع المكونات والمستويات الإدارية في المجتمع وحتى على مستوى الدول من خلال ترتيب حاجتها الضرورية حسب الأولويات. وما الهدف من وجود وإنشاء الدوائر والمؤسسات الموكل إليها بالتخطيط في الوزارات والدول إلا لقيامها بمثل هذه المسؤوليات والواجبات من حيث دراسة وترتيب الاحتياجات والمهام المختلفة ووضع الأوليات حسب الأهمية والزمن من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية والمحددة. فإذا ما أستطعنا التركيز بالشكل الصحيح في وضع وترتيب تلك المهام والاحتياجات الأساسية حسب سلم أولوياتنا تمكنا من النجاح في تحقيق أهدافنا والوصول بفاعلية إلى النتائج المرجوة وبهذا نكون قد تفادينا أي مشكلات أو أزمات يمكن أن نضطر من أجلها إعادة ترتيب أولوياتنا بسبب ما ترتب على ذلك من نتائج سلبية ومتفاقمة قد يصعب حلها أو تفاديها رغم محاولات التدخل لمُعالجة ذلك مع ضرورة الإيمان المطلق دائمًا بإيجاد الحلول.
وهكذا فإنَّ استخدام مفهوم (تحديد الأولويات) لخيارات ومهام مُحددة بعد دراسة نتائجها وإنعكاساتها المتوقعة تعتبر من أهم المفاهيم الاستراتيجية لإدارة الشؤون المتعلقة بالدول وفق إمكانياتها وظروفها الخاصة.