"نزف" منفرد في "عزف" جماعي!

 

د. مجدي العفيفي

تتجبر ثقافة الأسئلة ولابد أن تتجبر في هذه الآونة من زمن يتسم بأنّ متغيراته أكثر من ثوابته.. وإجاباته هي التي تبحث عن أسئلة.. فالنفس تئن كثيرا لأنّها لا يمكن أن تفكر بمعزل عمّا يدور حولها في العالم من مشاهد وشواهد..
لماذا لا يزال ابنا آدم - الرمزان الأوليان - يتقاتلان.. يحقد أحدهما على الآخر الذي طوعت له نفسه قتل أخيه، هذا الذي لم يبسط له يده ليقتله، خشية أن يكون من الظالمين، وخوفا من رب العالمين؟
 لماذا لا يزال يتعالى بيننا من يمثلون الظاهرة الكونية التي تبيد أية أمة في البشرية وهي ظاهرة "الفرعونية والهامانية والقارونية" وهي ذات أبعاد ثلاثة: البعد الأول :(الفرعونية) نسبة إلى السلطة أي سلطة.. والبعد الثاني (الهامانية) نسبة إلى فقهاء الحكام، ثم البعد الثالث: (القارونية) وهم رجال المال والاقتصاد.. حتى أنّ ممثلي هذه الظاهرة ينتشرون دائما في مشارق الأرض ومغاربها؟ ولماذا لايزال بيننا "أبو جهل وأبو لهب" وغيرهم ممن يتزعّمون العشائر والقبائل العصرية ولا يبالون بالقنابل المسيلة لكبرياء النفوس الأبية، لكنهم لا يفقهون؟ ولماذا لايزال بيننا "الحجًّاج" الذي يظن أيضا أنه يرى رؤوسنا قد أينعت وحاف قطافها، ويرتدي العمامة والقبعة والكاوبوي أيضا حتى نعرفه لأنّه ابن جلا وطلاع الثنايا؟ ولماذا لا يزال فينا خلفاء القصور العصرية والبيوت البيضاء والحمراء والتي بلا ألوان وما يجري في دهاليزها وأقبيتها من فتن وصراعات وقتل وتقتيل وسفك دماء ومحارم؟ ولماذا لا يزال فينا عبدة الأوثان.. وخدام الأصنام.. ولماذا لا يزال صوت وصمت القبور يحكمنا؟
ترى هل تجدي الكلمات لدى هؤلاء الذين لهم عيون لا يبصرون بها، ولهم قلوب لا يعقلون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها؟
يا حسرتاه على الإنسان حين يتجرد من كل مفردات الإنسانية، ويقتل الإنسان بداخله قبل أن يقتل من خارجه؟ بأي نفس تقتل؟ بأي عقل تفكر؟ أي عائد تربح؟ أية جدوى تنالها؟ أية فائدة تخصف؟ بأي.. وأي..؟ كل هذا الدم الحرام لا يزال يجري؟
قل لي يا هذا.. يا من تسيل الدماء البريئة.. أية قوة تستبد بك، وتهيمن على قلبك، لحظة أن تضغط على الزر، لتشعل في قلب أخيك البريء كل هذا الحريق والدم والموت والهلاك؟! أيّة مشاعر هذه التي تسيطر عليك، وتغشي وجهك، وأنت تعلم علم اليقين أن الذين ستقتلهم بعد ثوان، هم ضحاياك؟ بأي ذنب تبيدهم.. قل لي؟! وقل لي: من جعلك مجرمًا؟ ماذا جعلك مجرما؟ وكيف طغى فجورك على تقواك، إن كنت تقيًا؟ وكيف تجبرت نفسك الأمارة بالقتل على نفسك الأمارة بكل أنواعها؟ حتى صارت هي المهيمنة على جوارحك ومشاعرك؟ وكيف استطعت أن تجعل عواصفك تدمر عواطفك؟!
وقل لي أيضًا: كيف تمكنت نفسّك الأمارة بالقتل أن تحولك إلى كتلة من اللهب الإنساني الأسود، وكومة من الحقد الدفين؟ وتجعل منك بقايا كائن بشري لا يمت للآدمية بصلة؟! كيف تطوع لك نفسك قتل أخيك؟ كيف تهون عليك نفسك المدمرة، فتدمرها قبل أن تدمر نفس الآخر؟ كيف تزهق روحا.. بدون أدنى حق؟ كيف تستمتع وأنت تهتك حرمة النفس؟ كيف تتلذذ كل هذه اللذة وأنت تمزق النفس أشلاء وبقايا؟
قطعا أنت لن تقرأ هذه السطور، ولن تطلع على هذه الكلمات، فما بعينيك بصيص من إنسانية، وما بيديك أنامل كائن بشري، وما بجنبيك قلب مخلوق عاقل أو فيه بقية من عقل.
أعلم ذلك وأنت أيضا.. لكن ربما يقرأها الذين دثروك بالديناميت، وكتفوك بحبال الغواية، وكفنوك بخيوط الفتنة والجحيم، وأسكروك بالدم وما هم بسكارى إلا بدماء الضحايا في هذا العالم المسكون بالتناقضات والمشحون بالمفارقات.
ألم تفكر في الأم الثكلى وقد أفجعتها في ابنها الأوحد والوحيد؟ ألم تدرك أحاسيس الأب المذهول من فقدان فلذة كبده؟ ألم تعقل دموع زوجة تعتصر حزنا وكمدا على زوجها وقد فرقت بينهما إلى الأبد، بشظايا نزوة طائشة مفعمة بالثأر والأنانية واللامعقول؟ ألف ألم.. وألف كيف.. وألف لماذا؟ ألم تر أنك.. قاتل الحلم؟ وأنك.. بائع الوهم؟ وأنك.. مغلق الفكر؟ وعلى قلبك قفل؟ وعلى عينيك غشاوة؟! ألم تعلم بأن للدم حرمة ولعنة؟
بل أنت تعلم لأنك ابن التاريخ الدموي وأنك سليل هؤلاء الحكام الذين أُخذوا أخذ عزيز مقتدر، وقتِّلوا تقتيلا في بلاط العنف بالفتن والسموم والدسائس والمكائد.. ولا يزالون.. وسيظلون؟!
لا عليك...؟ لا بل عليك.. لماذا؟ لأنك التجسيد الحي والتمثيل العصري لنتائج الظاهرة التي تبيد أي مجتمع يخضع لها. والتي أشرنا إليها قبل سطور. أعلم أنك لن تجيب.. لكن حاول أن تحاور نفسك.. إن كانت لديك نفس.. أي نفس.. حاول.
صوت من السماء: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) "المائدة 27-30"
مفارقات:
سقطت شجرة فسمع الكل صوت سقوطها! بينما تنمو غابة كاملة ولا يسمع لها أي ضجيج! فالناس لا يلتفتون لتميزك بل لسقوطك!
ركب شخص سيارة أجرة فوجد السائق مشغل القرآن، فسأله: هل مات أحد؟ فقال: نعم ماتت قلوبنا.. عبارة مؤلمة تأملوها.
عامل الناس كقواعد الإعراب.. بعضهم يستحق الرفع.. وبعضهم الكسر.. وبعضهم النصب.. وبعضهم النفي.. بينما ما تبقى من بعض فعامله بأن ليس له محل من الإعراب..!
شموع:
أكره أخلاق المنشار الذي لا يحقق ذاته إلا وهو يقص الآخر.. (غادة السمان).
لا يستطيع أحد ركوب ظهرك، إلا إذا كنت منحنياً.. (مارتن لوثر).
إننا واقعون بين شقي رحى تسعى لتمزيقنا: الأولى "سي.آي.إيه" وهذه سيضيع فيها الوطن..!. والثانية "هوليوود" وهذه سيضيع فيها العقول...! (الزعيم نهرو للرئيس جمال عبد الناصر).

تعليق عبر الفيس بوك