الملف الاقتصادي.. قمَّة الأولويات

خلفان الطوقي

 

مُنذ العام 2014، وخاصة مع تذبذب أسعار النفط ووصولها لاحقا إلى ما دون الـ30 دولارا أمريكيا للبرميل، ومعظم الناس أصبحوا يعرفون معنى الكثير من المصطلحات الاقتصادية؛ وذلك يعود لأنَّ الملف الاقتصادي أصبح أكثر ملامسة لكل مواطن (مستثمرًا أو مستهلكًا أو مسؤولًا حكوميًّا) ومقيم وزائر ومتابع بشكل مباشر أو غير مباشر، وكلٌّ منهم ينظر لهذا الملف من زاويته التي تخصُّه، ويتأثر بالوضع الاقتصادي إيجابًا أو سلبًا حسب مُعطياته ومُتغيراته المتجدِّدة والمستمرة.. والمتابع للوضع الاقتصادي، سوف يجد أنَّ هناك تحديات اقتصادية ليست سهلة تمرُّ على معظم الدول ومنها السلطنة.

وستنقضي بعد أيام معدودات 40 يوما لفترة الحداد على جلالة سُلطاننا الرَّاحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- الذي وبكل ما أتيح له من إمكانيات وعناصر -وعلى مدار 50 عاما- سعى لتكوين دولة عصرية يُمكننا أن نُطلق عليها مصطلح دولة المؤسسات والقانون، وخلال الخمسين عاما السابقة كانت بعض الملفات هي في قمَّة الأولويات كملف توحيد البلاد، وملف إبعاد السلطنة عن الحروب؛ سواءً الأهلية أو المحيطة، وملف تكوين مؤسسات خدمية وقضائية وتشريعية عصرية، وملف ترسيم الحدود وغيرها، ولم يكن الملف الاقتصادي يُشكل تحديًّا حقيقيًّا في أحيان كثيرة، لعدة أسباب؛ منها: ارتفاع أسعار النفط -المورد الأساسي لخزينة الدولة- وفوائض ميزانية الدولة التي كانت تستطيع مواجهة خطط التنمية المختلفة بشكل سهل.

أمَّا الآن، فإنَّ الملف الاقتصادي يشكل -أو عليه أن يُشكل- قمة أولويات مجلس الوزراء الموقر، ويعود ذلك لأسباب كثيرة؛ أهمها: تغيُّر المعطيات الدولية والمحلية عن السابق، وتنوُّع المتطلبات والتطلعات والتحديات مع نموها المستمر وانتشار رقعتها؛ فالاهتمام بتفاصيل الملف الاقتصادي سيضمَّن حياة أكثر رفاهية للمواطن خدميًّا وتعليميًّا وصحيًّا.. وغيرها من عناصر الحياة الكريمة، وبيئة مُحبَّبة ومفضلة للمقيم، ووجهة مختارة ومستحبة للسياح، وأرضا خصبة للمستثمرين المحليين والدوليين؛ مما يعني توافر فرص عمل إضافية ومنوعة، ونموَّ الأنشطة التجارية والخدمات المساعدة، ونموًّا تلقائيًّا في العوائد المالية التي سوف تتحصل عليها الحكومة، والتي تُمكنها من تجويد الخدمات المختلفة دون اللجوء للاقتراض، هذا كله سيلقي بظلاله الإيجابية أمنيًّا واجتماعيًّا، وعلى مركز السلطنة في مؤشر التنافسية العالمي، وتحسن وضعها الائتماني لدى المؤسسات الدولية المعتمدة.. باختصار "الكل" -وبدون استثناء- سوف يستفيد في حال التركيز على الملف الاقتصادي وجعله الشغل الشاغل للمرحلة المقبلة.

التركيز على الملف الاقتصادي وتبني الممكنات ليس سهلًا، لكنه ليس مُستحيلا، خاصة وأنَّ السلطنة لديها مبادرات، وكوَّنت كيانات "مساعدة"؛ مثل: وحدة دعم التنفيذ والمتابعة، ومكتب رؤية 2040، والمكتب الوطني للتنافسية، ومركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، والهيئة العامة للتخصيص والشراكة، ومركز خدمات الاستثمار -التابع لوزارة التجارة والصناعة- و"إثراء"، والمجلس الأعلى للتخطيط... وغيرها من الهيئات والمراكز، إضافة للإستراتيجيات الوطنية في مجالاتها المختلفة التي كلفت الكثير من المال والجهد والوقت، ولابد من تفعيل هذه العناصر ودمجها وصهرها وتكاملها، ووجود هذه العناصر يعتبر عاملَ نجاح، شريطة أن يتم تفعيلها "ميدانيًّا" والاستفادة منها الاستفادة القصوى؛ فالعبرة لا تكمُن في كثرة وتعدد هذه الوحدات، وإنما في إنتاجيتها وتحقيق الأهداف المرسومة لها وملامستها لحياة الناس.

التحديات الحالية، وما سوف يستجد من معطيات، يتطلب منا التخطيط المبكر والاستباقي، والذي بدوره يتطلب منا جميعا وبدون استثناء -حكومة ومواطنين- مُضاعفة الجهد والمساهمة في تحقيق ما تبقَّى من أهداف الخطة الخمسية التاسعة، والقادم القريب من الخطة الخمسية العاشرة، ورؤية عُمان 2040.. وغيرها من الإستراتيجيات الوطنية، وتقديم كل ما يلزم لضمان تمكين الملف الاقتصادي المتشعِّب، والذي يلامس الجميع، وجعله أولوية قصوى وعاجلة؛ ليكون علامة فارقة ومميزة لحاضر ومستقبل عُمان.