حمود بن علي الطوقي
سأكتب مقالي في هذه الزاوية الأسبوعية مُباشرة حول أهمية تفعيل جودة خدمات المراجعين في الأجهزة الحكومية وأعني هنا بالتحديد تبسيط الإجراءات وترجمة هذه الإجراءات إلى واقع فعلي، وعدم الاعتماد كما يفعل بعض الموظفين على تطويل الإجراءات واتباع الأسلوب التقليدي الممل من عينة "تعال بكره" و"جيب معاك هذه المستندات والأوراق" حتى ولو كانت غير ضرورية.
وأود أن أسجل ابتداءً أن هذه ليست المرة الأولى التي أتطرق فيها لهذا الموضوع البالغ الأهمية، فقد سبق وأن كتبت فيه عدة مقالات، ولذلك أجدني أقتبس مما نشرت، إذ إننا ورغم كل ما كتبناه وما كتبه غيرنا أيضًا، لا يزال الموضوع كما هو دونما تغيير، فلا تزال بعض الجهات تتباطئ في تقديم خدماتها، ولم تصل إليها يد التكنولوجيا والتطور التقني. والحق يقال إن حوارات ومناقشات ومقترحات تناولت هذا الموضوع، كنت طرفا فيها مع مسؤولين وصناع قرار، على أعلى مستوى في الدولة، فقد بُحت الأصوات المنادية بضرورة الارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية خاصة تلك المعنية بخدمات المراجعين، ولعل الحكومة أدركت أهمية هذه الخدمة وأنشأت دوائر مختصة تسمى "دائرة خدمات المراجعين" لقناعة منها بأن الجمهور من حقه أن ينال أفضل الخدمات مقابل رسوم معينة يدفعها نظير هذه الخدمة، ولكن يبدو أن مستوى الرضا ما زال دون الطموح.
وفي مناقشات على مختلف المستويات وأثناء لقاءات جمعتني والمسؤولين عن أهميّة تحسين الخدمات الحكومية، بغية تحقيق الرضا التام لدى المتعاملين والجمهور للوصول إلى قناعة بأنَّ "خدمة المراجعين" أصبحت واجبة بل واجهة لأية مؤسسة من خلال هذه الخدمة تستطيع أن تحكم على المؤسسة ودورها في عطائها بدءًا من أعلى الهرم إلى أصغر موظف ومطلوب منه أن يكون مدركاً لواجباته في العمل.
قلت سابقاً أننا نعلم جميعاً أن لدى جميع الجهات الحكومية دائرة مختصة بخدمة المراجعين وهذه الدوائر لديها مديرون وتتبع هذه الدائرة مكتب معالي الوزير أو رئيس الوحدة الإدارية مباشرة، ويعمل في هذه الدائرة المهمة موظفون وموظفات يحصلون ويحصلن على رواتب ومميزات نظير تقديم خدمة متميزة للمواطنين والمراجعين على حد سواء، ولكن ما يصلنا من شكاوى دائمًا من قبل الجمهور أنّ مُعاناتهم مستمرة من أجل تكملة الإجراءات فهي مطولة رغم اكتمال الأوراق الثبوتية، فتتعالى الأصوات من قبل المواطنين بأهمية تحسين الخدمة وأن يكون الموظف ذا كفاءة ويتمتع بقدر كبير من المهنية في تجويد العمل.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف ونحن في مستهل عام جديد 2020 ولدينا رؤية يجب تحقيقها وتنفيذها، أحسبُ أن هذه الدائرة يجب أن تعمل بمهنية عالية ويتم اختيار الكفاءات من الموظفين وإلحاقهم بدورات وبرامج تدريبية عالية من أجل تمكينهم في كيفية تقديم أفضل الخدمات وأجودها للجمهور.
سبق وفي إطار هذا الحديث، أن اقترحت على وزارة الخدمة المدنية؛ كونها الجهة المشرفة على الأجهزة الحكومية أن تتبنى جائزة للجهات الحكومية المتميزة في تقديم خدمات للمراجعين وفق معايير محددة، والآن أُجدد المقترح وأتمنى أن ترى هذه المسابقة النور، بحيث يتم الإعلان عنها وتتنافس المؤسسات التي تقدم الخدمات للجمهور على للمشاركة والفوز بكأس الوزارة، وتكون هذه الجائزة حافزًا للبقية حتى تصل كل الجهات الحكومية إلى مستوى رضا من قبل المراجعين والعملاء. وفي اعتقادي هذا الأمر يجب أن يتم سريعاً، ويجب انتقاء الموظفين الذين يعملون في هذه الدوائر من أجل خدمة المواطنين.
وليست هذه المرة الأولى التي أؤكد فيها عدم استيعابي فكريا وواقعيا لمسألة التراجع في عملية تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن في بعض الجهات، على الرغم من أنّ التقنيات الحديثة باتت عنصرا مسهلا لهذه العملية؛ فطموحاتنا أن تصل خدماتنا إلى مستوى الأهداف المنشودة نحو تقديم خدمات إلكترونية. لكن الوزارات والهيئات لم تقدم أي جديد يُذكر في هذا الخصوص، إلا في مؤسسات محددة آمنت واقتنعت بأهمية هذه الدائرة وعملت على تفعيل خدماتها بما يتماشى مع المرحلة الراهنة ومستقبلا.
وفي الماضي، والجميع يعلم ذلك، اختط والدنا الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- نهجا ساميا فريدا ونموذجا إداريا لا يضاهى، ألا وهو الجولات الميدانية والزيارات السنوية التي كان يقوم بها جلالته- رحمه الله- في ولايات السلطنة، وكان- طيب الله ثراه- شديد الحرص على اصطحاب أصحاب المعالي الوزراء في جولاته السامية، حتى أصبحت هذه الجولات محل تقدير وإشادة على المستوى العربي والدولي ونعتت في الصحافة بالبرلمان المفتوح.
إنَّ هذا النهج المتفرد، من سلطان البلاد الراحل ومؤسس نهضتها، يدفعنا إلى النظر بعين الدهشة إلى عدم اتخاذ المسؤولين في بلادنا ذلك النهج قدوة ونبراسًا، وذلك لن يتأتى إلا من خلال الاقتراب من المواطن الذي يُعد محور التنمية الأساسي وهدفها وغايتها. ونقول إنَّ على المسؤولين الإنصات إلى ملاحظات المواطنين من المراجعين في مختلف الجهات، بما يضمن العمل على تحقيق تطلعاتهم وفق الظروف المواتية. وهذا الدرس لأصحاب المعالي الوزراء، وأصحاب السعادة الوكلاء والجميع ممن يعملون في المؤسسات على تنوعها.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال محوري: هل وصلنا بأفكارنا إلى كيفية تجويد العمل وتطبيق التوجيهات السامية التي غرسها جلالته منذ أن تولى مقاليد الحكم عام 1970 وحتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها؟ أعتقد- وهذا ظني- أن الإجابة أن الأمر لم يكن على مستوى الطموح، نعم هناك مؤسسات تفوقت وأثبتت جدارة وقدرة غير مسبوقة على إنجاز العمل وتخليص المعاملة في "ثوانٍ"، لكن جهات أخرى لا تزال بطيئة في حركتها ثقيلة في تقدمها للأمام، لكن الأمل والرجاء لم ينقطعا بعد، فحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- رجل دولة من الطراز الرفيع، وتبوأ من قبل مناصب عدة، مكنته من الوقوف على التحديات وأدق تفاصيل العمل الحكومي، ومن المؤكد أنَّ جلالته سيقود انطلاقة نهضوية ثانية تعبر بنا نحو مزيد من التقدم والازدهار.