شمس عمان المشرقة

 

عباس المسكري

 

لا يسعني في هكذا مقام وعن تاريخ مشرف وحافل بالإنجازات وبالرجال الذين حفرت أسماؤهم على صفحات التاريخ منذ قيام الإمبراطورية العمانية إلا أنَّ يكون دوري وواجبي الوطني الحديث عن الإرث العُماني الذي لا تختزله الكتب ولا تؤطره السطور، فعُمان كانت ولا تزال تاريخا وحضارة سطرت ملاحم لا يُمكن لمن عرف عُمان حق المعرفة أن ينكر دورها القيادي منذ الأزل في حل الصراعات وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والخصماء والأضداد، وهذه المسؤولية إرث يتوالى عليه وعلى تفعيله سلاطين عُمان حتى إن بزغت شمس عُمان الحديثة في فجر الثالث والعشرين من يوليو 1970 والتي أضاءت إشراقتها ربوع عمان من أقصاها حتى أقصاها.

بدون أدنى شك إذا ما تطرقنا إلى مخزون الإرث العماني على مدى قرون فإنَّ هذا الامتداد الذي نعيشه اليوم ماهو إلا من ذلك المخزون الذي لا تختزله الكتب ولا تكفيه سطور، فعمان كانت ولاتزال تاريخا وحضارة، وهذه الحضارة لم تبنى في ظلمات الجهل ولا في الصراعات التي تدعو إلى الشقاق والتفرقة بينما كان نهج متوارث عبر حقب تاريخية عميقة توالى عليها وعلى تفعيلها والعمل بها سلاطين عُمان فكانت الحكمة نهجهم والسلام مبدؤهم حتى أتى العهد الزاهر الميمون الذي قاد مسيرته المكملة المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمة الله عليه وكان حال البلاد وغيرها من البلدان المجاورة تعيش الصراعات والمناكفات التي تخلخل أركانها وتزيدها شتاتاً وفرقة فكانت نظرته الثاقبة وقراءته المتأنية لمُستقبل المنطقة برمتها جعلته ينطلق من مبدأ السلام والوئام ويبني قاعدة صلبة من الحيادية وعدم التدخل في شؤون الآخرين إذ كرس كافة جهوده وسخر جميع إمكانياته ليجعل من عُمان منارة للسُّمو والرفعة والسؤدد في شتى المجالات.

لن يفهم منهج وسياسة عُمان سوى من يعرف أهمية الموقع الجغرافي لها .. وهذا الموقع الذي يُعد العصب الرئيسي في الكثير من الممرات والاتجاهات التي تجعل لعُمان أهمية سياسية بموجبها تكون قادرة على التعامل مع جميع الأطراف سواء كانت إقليمية حدودية أم إقليمية متشاركة معها في هذه الممرات فعوضا عن الحدود البحرية ومضيق هرمز أيضًا تتقاسم مع الجارات الشقيقة المملكة العربية السعودية واليمن الشقيق والإمارات العربية المتحدة جميع هذه العوامل والمعطيات التي تعزز هذا النهج وتعطي ثقلاً سياسيًا يجعل من عُمان بوابة للسلام والاستقرار.. وهذه النظرة الثاقبة للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان الراحل والتي عمل على تفعيلها منذ بداية نهضته المباركة 1970 حتى اللحظات الأخيرة، كانت بمثابة مدرسة تدرس فن التعامل والحكمة في إدارة شؤون السياسة التي تجنب عُمان جميع المناكفات وتجعلها ملاذا للأمن والاستقرار وتقريب وجهات النظر والتوافق بين كافة الأطراف.

خمسون عاماً وشمس عُمان مشرقة وساطعة ومنذ إشراقتها الأولى تزداد كل يوم سطوعًا لتضيء ما حولها من بقاع الأرض وعلى ضيائها أهتدى مريدو السلام وعشاقه وناخت رحالهم في القصور العامرة، وحجَّ حجيج السلام إلى كعبة السلام وطابت نفس كل مضيوم داست قدماه تراب عُمان الطاهر وصدحت منابر السلام باسم مؤسس عمان الحديثة، إلى أن قدر الله تعالى لها أن تأفل لسويعات في يوم الجمعة العاشر من يناير 2020 اليوم الذي رحل فيه إلى جوار ربه مؤسس عُمان الحديثة وباني نهضتها لسويعات لتعاود الإشراق مرة أخرى من قصر مسقط العامر، في يوم السبت 11 من يناير 2020، اليوم الذي بايعت فيه عمان قاطبة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ليكون سلطاناً لعُمان خلفاً لمؤسس وباني نهضة عُمان جلالة السلطان قابوس بن سعيد- عليه رحمة الله الواسعة- والذي أوصى به ليكون ربان السفينة من بعده.

إنَّ جميع المُنجزات التي تحققت هل هذه الأرض العمانية الطيبة تؤكد لنا أن إشراقة هذه الشمس ستظل ساطعة وستتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل لتكون شاهدة على العصر الذي لا يقبل بالأفول، وإن اختيار المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس في وصيته لجلالة السلطان هيثم بن طارق بأن يكون السلطان من بعده لم يأتِ من فراغ فالكل يعلم مدى حكمة وحنكة وبعد نظر السلطان قابوس- رحمة الله عليه- ولذلك عُمان قاطبة وبدون تردد أعلنت مُبايعتها وولاءها لجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- لمواصلة السير في بناء عمان التي أسس قواعدها سلفه جلالة السلطان قابوس، وما بعث السرور في النفس إلا تلك الكلمة التي أستهل بها جلالة السلطان هيثم لحظة توليه مقاليد الحكم، إنها كلمة بعثت السرور ليس في نفوس العمانيين وحسب بل في أرجاء العالم ولاقت ردود أفعال إيجابية دولية، كما إن سلاسة انتقال السلطة بعثت الأمل في الجميع وأعطت انطباعا عظيما واطمئنانا للقريب والبعيد سياسيا واقتصاديا، فلقد أدرك الجميع فعلاً مدى رسوخ السياسة العمانية والنهج الذي كان يتبعه المغفور له، والوعد الذي قطعه على نفسه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بأنه سوف يتبع النهج السامي للمغفور له أعطى مؤشرا قويا لكل القوى السياسية في العالم بل أعلن استمرار إشراقة شمس عُمان لتبقى شمسها مشرقة وليكون ضياؤها إيقونة للدفء والسلام وتضيء ما حولها في مشارق الأرض ومغاربها.

تعليق عبر الفيس بوك