"كورونا" والأزمة الأخلاقية

 

 

خالد بن سعيد المشرفي

 

 

سأضرب صفحا عن كل التكهنات والتحليلات حول نشأة هذا الفيروس الفتاك هل هو ضمن التطور الطبيعي للفيروس أو تم تطويره في المختبرات؟ ما أود الحديث عنه في هذي السانحة هو تلك الهبّة الإسلامية في تفسير الوباء أنّه عقوبة من الله بحسب بعض أو أنّه بسبب أكل المستقذر من الحيوان برأي آخرين وكل ما تناولته وسائل الإعلام الاجتماعي لا تخرج عن هذين التفسيرين.

أذكّر ها هنا أننا كمسلمين لا يجوز لنا أن نشمت بمصائب الناس لا بحكم الأخلاق الإنسانية ولا بحكم تعاليم ديننا الحنيف. الصينيون في وضع كارثي وهم قادرون على تجاوزه بلا شك، لكن لا يجوز لنا أن نتهكم أو نسخر مستثمرين الاختلاف الديني والعقائدي إنما يجب أن نحترم القيم الإنسانية ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم قدوة عندما مرت به جنازة يهودي فهب واقفا احتراما لإنسانية الإنسان مهما فرقتنا الأديان والمعتقدات ومهما تشعبت بنا السياسات وتباينت المصالح.

يدعونا ديننا إلى تقديم الدعم النفسي بل والعون المادي إن تطلب الوضع وهذا من حق كل إنسان لأخيه الإنسان في الأوضاع العادية.

واعتقاد أنّ هذا الوباء عقوبة فيه كثير من المغالطة وعدم الإنصاف بل فيه ما هو أكبر وهو التجني على الله والتقوّل عليه كذبا وزورا دون دليل وانتقائية لا مبرر لها سوى التشفي أو الوقوع ضحية من يريد التشفي وإلا فأين ذهبت دماء آلاف الشهداء في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها!

أمّا إحالة الوباء على اقتيات المستقذر من الحيوان فهذا ما لا يؤكده أي دليل علمي على أنّ الاستقذار يعتمد على البيئة والمحيط والثقافة فما أراه أنا قذرا قد لا يراه آخرون كذلك وما أستطيبه من الطعام قد لا يراه آخرون كذلك هذا أمر طبيعي جدا بين الناس والثقافات؛ في الثقافة الإسلامية هناك من يستطيب أكل لحوم الحمير الأهلية والثعالب وبالمقابل هناك من يتقذر من أكل الجراد والضب؛ إذن بغض النظر عن مسألة الجواز الشرعي التعوّد له دور حتى بالنسبة للنباتيين فإنّهم ينظرون إلى غيرهم من أكلة اللحوم بشيء من عدم الرضا وربما اعتبروهم متوحشين لكن يمنعهم من ذلك حسن الخلق وكريم اللطف والمجاملة.

ما يفرضه الخلق الإنساني أن نوقف كل أشكال ذلك الخطاب الشامت والموغل في الكراهية في وقت الناس أحوج ما يكونون فيه إلى المواساة والدعم النفسي والتعاون والتكاتف من أجل محاصرة الوباء لا لشيء إلا لأننا شركاء في الإنسانية (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

بل إنّه ليس من أخلاقنا كأمة عربية تقف على تراث قيمي عريق وتمتاح من معين أخلاقي لا ينضب والأزمات تدور والزمان كما نقول في عمان ليس له صديق والأيام دول. 

 

إذا ما الدهر جر على أناس    كلاكله أناخ بآخرينا

 

فقل للشامتين بنا أفيقوا   سيلقى الشامتون كما لقينا

 

نسأل الله العفو والعافية.     

 

تعليق عبر الفيس بوك