لا لصفقة القرن

حمود بن علي الطوقي

لا شكَّ أنَّ السلطنة وسياستها الدَّاعمة للقضية الفلسطينية، ومواقفها الثابتة تجاه هذه القضية، يُؤكِّدها رفضها خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمعروفة باسم "صفقة القرن"، فقد عبَّرت السلطنة عن موقفها في الاجتماع الطارئ الذي عُقد بجامعة الدول العربية، ومن هنا نحث نشطاء منصات التواصل الاجتماعي على أن يدركوا أن السلطنة تلعب الدور الإيجابي في هذه القضية، وتؤكد دائما أن القدس ستظل عاصمة أبدية لدولة فلسطين الشقيقة.

أكتب هذا المقال، وأنا أستحضر الزيارة التاريخية لوفد جمعية الصحفيين العمانية إلى فلسطين، وأذكر هذا التاريخ: صبيحة يوم الجمعة الموافق 25 أكتوبر 2013، كُنت وزُملائي على موعد لزيارة القدس الشريف.. ويا له من يوم عظيم نستنشق فيه هواء القدس؛ فمنذ أن وطأت أقدامنا أرض فلسطين وأنا أتشوَّق لهذا اليوم؛ يومٌ من أيام الله، لكنه مُختلف شكلاً ومضمونًا.. القدسُ المدينة الفلسطينيَّة العريقة عشقتها منذ طفولتي، كبرنا وكبرت معنا القدس، ذاك الحلم الذي راودني منذ طفولتي أصبح واقعا وحقيقة وشعورا غريبا وشوقا ومحبَّة لهذا المكان الشريف. وبمجرد صعودنا إلى الباص الذي سينقلنا إلى زيارة مدينة القدس، كُنت وزملائي نترقب بشوق دخولنا القدس، الأرض المُباركة.. نعم ستطأ أقدامُنا أرض القدس، ونشاهد أسوارها وأبوابها ومساجدها وكنائسها وقبابها، خصوصاً قبة الصخرة المُذهبة التي أصبحت مألوفة لدينا من خلال مشاهدتنا لها عبر شاشة التلفاز.

تحرَّكت بنا الحافلة، وكان من نصيبي الجلوس بالقرب من زميلي المكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة "الرؤية"، كنت أتأملُ ملامحه وقد ارتسمتْ على محيَّاه ابتسامة، كان يقول: "يا رفاق هذه رحلة تاريخيَّة، سجلوا ودوِّنوا كل شيء"، وعندما اقتربنا من معبر قلنديا، توقفت الحافلة وترجَّلنا حيث سنتعرض للتفتيش من قبل قوة الاحتلال، كنا ننتظر هذه المأساة، لكننا في الوقت ذاته مُتلهفون لتكملة الإجراءات والسماح لنا بدخول القدس.

كنتُ وزملائي نرتدي الزيَّ العُماني فهو بالنسبة لنا زيٌّ وطنيٌّ، وبالنسبة لأشقائنا في فلسطين يُعبر عن التضامن معهم ومع قضيتهم المصيرية.

وعند الحواجز الحديدية. التزمنا الصمتَ؛ حيث وقفنا في طابور طويل ووقف معنا مواطنون من فلسطين كبار في السن، يدخلون أيضًا لأول مرة بعد أن حصلوا على التصاريح؛ بعضهم تم السماح لهم، والبعض الآخر تم إرجاعهم بقرار الجندي الإسرائيلي. هذا المشهد أفزعني وكنت أتخوَّف أن يتم إرجاعي أو أحد زملائي، خاصة بعد التحقيق الذي تعرَّض له الزميل عوض باقوير رئيس جمعية الصحفيين آنذاك، وكان أول الداخلين، كنتُ بعده مباشرة ووقفتُ في الحاجز أراقب الموقف، كان الجندي الإسرائيلي ينظر إليَّ بامتعاض، لكني كنت لا أبالي، إلى أن فُتح لي الباب الحديدي، ودخلت. وبعدها، دخل زملائي تباعًا، ولاحقاً عرفنا أن سبب هذا الموقف هو زميلنا باقوير؛ حيث كان يرتدي وشاحًا على صدره تضامناً مع القضية الفلسطينية منقوشٌ عليه "القدس لنا". كانت الفرحة لم تسعنا ونحن نترجَّل وندخل القدس، شعرتُ أننا نحرِّر القدس، فما إن وطأت أقدامنا الأراضي المقدسة، ونحن نُهلل ونكبِّر ونرفع شارات النصر. ركبنا الحافلة من جديد، لكن هذه المرة لن نقف في الحواجز.. فطريقنا سيكونُ إلى الأقصى الشريف. في الحافلة، كُنا نتأمَّل المكان والحافلة تطوفُ بنا الشوارع، ومن بعيد تلوح قبَّة الصخرة، وكانتْ الأصوات ترتفع: "هذه القبة". ونتشوق لالتقاط الصور؛ إنه مشهدٌ جميلٌ؛ نرى مدينة القدس.. ونتساءل: إذن؛ فكيف سيكون المشهد ونحن ندخل الأقصى الشريف، ونصلي الجمعة في هذا المسجد الذي يُشد إليه الرحال.

نعم هذه بعض المشاهدات وأنا في طريقي إلى القدس، فهل سنوافق كمواطنين وشعوب عربية على هذه الصفقة المشؤومة، طبعا لا وألف لا، فالحديث عن القدس ذو شجون، ولنا عودة.. وللحديث بقية.