"فايننشال تايمز": "البريكست" هزّ أسس الديمقراطية البريطانية

ترجمة- رنا عبدالحكيم

استيقظت المملكة المتحدة يوم السبت الماضي، على عهد جديد في تاريخها، فعلى مدار 47 عامًا، تم تحديد علاقتها ببقية العالم من خلال عضويتها في الاتحاد الأوروبي، لكن بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي، وانتهى النقاش حول ما إذا كان تخرج أم تبقى.

صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أفردت افتتاحيتها للحديث عن مرحلة ما بعد "بريكست"، وقالت إن التحديات الآن ذات شقين؛ إحداها تتمثل في معالجة التصدعات التي تسببت فيها عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مثل الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي يجب معالجتها والثاني هو بناء إطار جديد للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والعالم الأوسع يحمي وحدة الاتحاد البريطاني وازدهاره وأمنه. في هاتين المهمتين، سيتم الحكم على نجاح حكومة بوريس جونسون ومشروع بريكست بأكمله.

وترى الصحيفة أن المحافظين أدركوا أن تصويت 2016 لمغادرة الاتحاد الأوروبي لم يكن مجرد رفض للتواجد في الكتلة التي تضم 27 دولة الآن، لكنه كان أيضًا تصويتًا احتجاجيًا من قبل المجتمعات "المُهمشة" والتي شعرت لسنوات بأنه يتم تجاهلها. وفاز جونسون بالانتخابات بناءً على وعده بإكمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و"رفع مستوى" المناطق الأخرى المزدهرة في لندن وجنوب شرق إنجلترا. وأشارت الحكومة إلى الاستثمار في البنية التحتية واتباع نهج اقتصادي أكثر ملامسة للأوضاع الداخلية، ولذا ترى الصحيفة أنه يجب على الحكومة الآن تحديد استراتيجية شاملة لتحقيق رؤيتها.

وبعد بريكست، سيتضاءل حجم الاقتصاد بأقل مما كان عليه الحال خلال عضوية الاتحاد الأوروبي. ومن خلال رفض عضوية السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي واختيار فقط اتفاقية التجارة الحرة، اختار جونسون أصعب أشكال المغادرة. لكن بعد ذلك، بعد أكثر من 3 سنوات من استفتاء الاتحاد الأوروبي، لم تحدد الحكومة بعد معنى البريكست الذي اختاره الشعب.

وتحث الصحيفة على ضرورة أن تضع الحكومة البريطانية أهدافًا للمكانة التي تعتقد أن على البلد أن تتبوأها بحلول عام 2025 أو 2030، واستخدام تلك الأهداف لوضع إطار لمفاوضاتها حول العلاقات المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. ستشكل القرارات التي اتخذت في الأشهر الستة المقبلة من المحادثات المستقبل الاقتصادي للبلاد لعقود.

إذ ليس من المنطقي السعي إلى إبرام صفقة تجارية ضعيفة مع أكبر وأقرب شريك تجاري لبريطانيا- وهو الاتحاد الأوروبي- على أمل جني فوائد من اتفاق يُبرم مع الولايات المتحدة، والذي قد يكون وهماً. ويجب على جونسون أن يواجه أخيرًا الخيارات غير المواتية والمفاضلات المتضمنة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واستخدام مهارات الاتصال الخاصة به لبيعها إلى حزبه وللجمهور.

ودعت الصحيفة إلى أهمية أن يخلص أي تقييم عقلاني لمصالح المملكة المتحدة في النهاية إلى أنه يجب أن يظل أقرب ما يمكن إلى أوروبا، وأنه يجب الحفاظ على التعاون الأمني الحالي وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وأنه يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تعترف- من جانبها- بفوائد الشراكة المستمرة مع بريطانيا، وأن تتأكد من انعكاس ذلك في التفويض التفاوضي الذي ستقدمه إلى بروكسل قريبًا.

ويجب على المملكة المتحدة أن توضح، أيضًا، ما الذي يعنيه مفهوم "بريطانيا العالمية" في الممارسة السياسية والاقتصادية. ورغم أن بريطانيا باتت خارج الاتحاد الأوروبي، فلا يوجد سبب يمنعها من الحفاظ على علاقات وثيقة مع باريس وبرلين، جنبا إلى جنب مع القوى المتوسطة الحجم الأخرى، مثل كندا، التي يمكن أن عضوا في "تحالف الراغبين" للدفاع عن المصالح المشتركة مثل الديمقراطية الليبرالية والنظام المتعدد الأطراف، ومساعدتها على تجنب الوقوع فخ التوترات بين الصين والولايات المتحدة.

واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه بالنسبة لبريطانيا، كانت السنوات الثلاث الماضية هي الأكثر اضطراباً سياسياً وعصبية على مدى عقود. وهزّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أسس الديمقراطية البريطانية، وأجهد الوحدة البريطانية، ونشر السخط الشعبي في أجزاء كبيرة من البلاد، وقد اكتمل الرحيل العاصف عن الاتحاد الأوروبي، والآن يجب أن تبدأ مرحلة العمل الشاق الحقيقية.

تعليق عبر الفيس بوك