الثقافة الغذائية.. حقائق وأساطير

 

د. حيدر بن أحمد اللواتي *

تعد الثقافة الغذائية من الأمور التي يجدر الاطلاع عليها، خاصة في عصرنا هذا؛ حيث تكثُر الاختيارات وتكثُر الادعاءات أيضا، ومن هذا الباب فقد شدَّني الفضول في الآونة الأخيرة للاطلاع على عدد من الكتب المهتمة بالتغذية الصحية، وهي كتب من مختصين وموجَّهة لغير المختصين، وسأسلط الضوء هنا على كتابيْن لما لهما من ثقل علمي كبير؛ الأول: (Eat, Drink, and be Healthy: The Harvard Medical School Guide to Healthy Eating) وهو للبروفيسور Walter Willett، وهو بروفيسور في جامعة هارفارد في علم التغذية، كما أنَّ الكتاب يحمل اسم الجامعة العريقة والمعروفة عالميا على أنها من أعرق جامعات العالم قاطبة، لذا فلهذا الكتاب قيمة علمية كبيرة وموثوقية عالية. أما الكتاب الآخر فهو بعنوان (Hype: A Doctor's Guide to Medical Myths, Exaggerated Claims, and Bad Advice - How to Tell What's Real and What's Not)، لكلٍّ من Kristin Loberg and Nina Shapiro؛ والأولى كاتبة مُتخصِّصة في تحويل لغة العلوم المتخصصة إلى كتابات لغير المتخصصين، أما الثانية فهي بروفيسورة وجرَّاحة في كلية الطب في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس الأمريكية، وتعد من أشهر الأطباء في الولايات المتحدة.

والواقع أنَّ الكتابين من المفترض أن يُكملا بعضهما؛ لأن الأول يركز على ما يجب القيام به والآخر يوضح بعض الأمور المنتشرة التي لم تثبت صحتها حسب البحوث العلمية، وألفِت عناية القارئ الكريم إلى أنني لا أهدف إلى تقديم تلخيص كامل لما ورد في هذين الكتابين؛ إنما سأقوم بتسليط الضوء على بعض ما ورد فيهما.

الملاحظة الأولى من خلال قراءة الكتابيْن أنَّ هناك فارقا واضحا في وجهات النظر في خصوص عدد من الأمور؛ منها: المكملات الغذائية التي تحوي الفيتامينات والمعادن ، فبينما نجد أن Walter Willett يؤكد أن بعض أمراض القلب والسرطان يمكن أن تكون نتيجة لنقص هذه المكملات الغذائية، ويقول في مكان آخر أن فيتامينات ب6 وب12 تلعب دورا مهمًّا في انخفاض نسب الإصابة بأمراض القلب والسرطان، كما يشير إلى أن هناك أدلة كبيرة تشير إلى أن البيتا كاروتين تحافظ على قوة الذاكرة عند كبار السن، بينما نجد أنَّ الدكتورة Nina Shapiro تؤكد في كتابها أن هناك دراسات عدة أجريت ووجدت أن الفيتامينات كمكملات غذائية لا تقلل من نسب الإصابة بأمراض القلب والسرطان، بل وأشارت هذه الدكتورة إلى أن الإكثار من مكملات الغذائية من فيتامين إي يزيد من خطر الأصابة بمرض السرطان، كما أشارت هذه الدكتورة إلى دراسة أخرى أجريت على 5947 رجلا استخدموا مكملات غذائية تحتوي على الفيتامينات، ولم يلحظ أي تحسن في الذاكرة عند كبار السن.

وعلى الرغم من أنَّ كلا العالمين يتفقان على أنَّ المصدر الصحي للفيتامينات والمعادن المهمة هي الخضار والفواكه، إلا أنهما يختلفان مرة أخرى فيقول Walter Willett أننا قد لا نغطي جميع احتياجنا من الفيتامينات والمعادن؛ من خلال أكلنا للفواكه والخضار، بينما تدعي الدكتورة Nina Shapiro أن احتياجنا منها يتم تغطيته من خلال ما نأكله من الخضار والفواكه ويخلص Walter Willett إلى الحث على تناول كميات محددة من مكملات الغذائية التي تحوي على الفيتامينات والمعادن من باب الاحتياط، وهي ذات الوصية التي توصي بها Nina Shapiro لكنها توصي بها لأسباب مختلفة، فهي تعتقد أن الجانب النفسي يلعب دورا مهمًّا في التأثير الإيجابي لهذه المكملات، كما أنها تقول إنَّ هذه المكملات الغذائية لا تضر إذا لم يتم تناولها بكميات مبالغ فيها، ولكنها تنصح بمراجعة الطبيب قبل البدء بها.

ويختلف العالمان أيضا في أهمية مضادات الأكسدة؛ فالدكتورة Nina Shapiro تصرح بعدم وجود أدلة علمية على أنَّ مضادات الأكسدة سواء كمكملات غذائية أو كمواد موجودة في الغذاء تفيد في أمراض السرطان ومقاومته. بينما نجد البروفيسور Walter Willett يصرح في كتابه بأن مضادات الأكسدة كفيتامين إي الذي يلعب دورا مهمًّا في منع حدوث مرض إنسداد الشرايين، ولكن Walter Willett يؤكد على أنَّ الفوائد المرجوة من مضادات الأكسدة إنما تتحقق عندما نأكلها مجتمعة في أغذية طبيعية كالخضراوات والفواكه، ولم يثبت أن لها فوائد تذكر عندما تؤخذ كمكملات غذائية.

لكنَّ العالمين يتفقان على أنَّ "مقولة شرب 8 أكواب من الماء يوميا" أسطورة لا دليل علميَّ عليها (That’s a medical myth)، فبينما تشير Nina Shapiro إلى أن انتشار هذه الأسطورة هي لأسباب تجارية بحتة تهدف للإكثار من بيع المياه المعدنية، والتي أصبحت تجارة رائجة، وكانت وراء انتشار هذه الأسطورة. أما Walter Willett فيعزي إلى أسباب أخرى، لكنهما يتفقان على عدم صحتها، ويؤكد العالمان أن كمية الماء التي يحتاجها جسمك يستقيها من الطعام الصحي من الفواكه والخضار، إضافة إلى السوائل الأخرى التي تتناولها كالقهوة والشاي والحليب واللبن والعصائر وحتى الشوربة؛ لهذا فإذا كنت تكثر من هذه السوائل، فإن حاجتك لشرب الماء تقل بصورة كبيرة جدا.

ومن الأمور الأخرى المهمة التي أشار إليها العالمان ما يتعلق بعصائر الفواكه الطبيعية، فالشائع أنها سوائل صحية، إلا أن العالمين يتفقان أن العصائر (حتى عصائر الفواكه الطازجة) ليست صحية، وأن عصير الفواكه الطازجة لا يمكن أن يكون بديلا عن الفاكهة إطلاقا؛ لأنه لا يحتوي على ما يعرف بالألياف؛ فالعصير حتى الطازج منه تسميه Nina Shapiro بالماء المحلى الذي يحتوي على نسبة عالية جدا من السكر؛ لذا فهي تحذر من تناوله.

ومن الأمور المفيدة التي أشارت إليها Nina Shapiro أن انتشار ما يعرف بالأغذية والمشروبات التي تعرف بأنها مُخلِّصة من السموم ليست سوى مادة دعائية ولا دليل علميَّ عليها (No study has yet shown that detox diets have any benefits).

 

وفي الفصول الأخيرة، يلخِّص Walter Willett الأمور بما يلي:

- حافظ على وزن صحي

- أكثر من تناول الخضار والفواكه.

- استهلك دهونًا غير مُشبعة وقلِّل من استهلاك الدهون المشبعة، ولا تستهلك الدهون المحولة، أو ما يعرف بـ(Tran Fat).

- استخدم الحبوب الكاملة في غذائك ولا تستخدم المكررة.

- احصل على البروتين من مصادر صحية كالمكسرات والدجاج والسمك والبقوليات كالفول.

- تناول الماء والقهوة والشاي بدلًا من العصائر أو المشروبات السكرية الأخرى.

- تناول الفيتامينات يوميا احتياطا.

وختاما.. يُؤكد العالمان أن الخمول وقلة الحركة لهما ضرر بالغ؛ لهذا فلابد أن يرافق الغذاء الصحي نشاط حركي يومي.

 

* أستاذ مشارك بجامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك