عُمان بين الأمم

حاتم الطائي

 

وطننا العزيز يتبوأ مكانة رفيعة بين الأمم بفضل الحكمة السلطانية

الجلسة التاريخية في الأمم المتحدة لتأبين السلطان قابوس دلالة قوية على سمو عمان بين الأمم

تغطية غير مسبوقة لرحيل السلطان قابوس في وسائل الإعلام والصحافة العالمية

 

مكانة دولية رفيعة المستوى يحتلها وطننا الحبيب بين أقطار العالم، وهي المكانة التي تشكّلت على مدى خمسة عقود من النهضة المباركة، التي قادها بحنكة منقطعة النظير المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيّب الله ثراه- واستطاع خلال تلك السنوات الميمونة أن يحفر اسم عمان بحروف من الذهب والسمعة الدولية المرموقة، لما ترسّخ في الوجدان والضمير الجمعي للعالم من حقائق وبراهين ساطعة على أنّ عمان هي أرض السلام والوئام والمحبة والإخاء بين الأمم، وما الجلسة الخاصة التي نظّمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لتأبين جلالة السلطان قابوس سوى ترجمة واضحة لما حظي به السلطان الراحل من مكانة دولية رفيعة، ارتقت معها عُمان إلى مراتب متقدمة عالميا.

والجهود الحثيثة التي بذلها فقيد الأمة والعالم على المستوى الخارجي، مثّلت القاعدة المتينة لرؤية دبلوماسية عميقة التأثير وبعيدة الأهداف، عكست الإيمان الراسخ لدى جلالته- طيّب الله ثراه- بأنّ صناعة السلام والاستقرار يجب أن تظل الأولوية في جوهر السياسة الخارجية العمانية، ولذا سخّرت الدبلوماسية العمانية طاقاتها وإمكانياتها لتطبيق هذه القاعدة، وتنفيذ تلك الرؤية، فتحققت النجاحات واحدة تلو الأخرى، وترسخ اسم عمان عالميا ليكون مرادفا للسلام والاستقرار. وما من شك أنّ هذه السياسة الخارجية لم تكن لتنجح لولا عدة مقوّمات رئيسةٍ أسهمت جميعها في تميّزها وتفوقها بين الأمم.

أول هذه المقوّمات: بناء دولة المؤسسات والقانون، القائمة على المساواة بين الجميع وفق النظام الأساسي للدولة والقوانين النافذة، إلى جانب التطبيق السليم والعادل للسياسات في شتى المجالات. فبلادنا ولله الحمد دولة مؤسسات حقيقية متماسكة كعقد لؤلؤي لامعة حباته، فنجد المؤسسة السلطانية برسوخها وقوتها وانضباطها الشديد، والمؤسسة العسكرية والأمنية بكل ما تبذله من جهود صادقة ومخلصة خدمة للوطن والقائد والشعب، وأيضًا المؤسسة الحكومية بما تشمله من وزارات ومؤسسات وهيئات مُنظمة لجوانب العمل الحكومي في مختلف القطاعات، إلى جانب مؤسسة الشورى؛ ممثلة في مجلس عمان وما يسهم به من دور محوري وفاعل في التشريع والرقابة على الأجهزة والمؤسسات حسبما متاح له من صلاحيات. وأخيرًا وليس آخرا؛ المؤسسات المدنية، من شركات القطاع الخاص، والمؤسسات الأخرى التي تقوم بدور مؤثر في عملية التنمية مثل الجمعيات والاتحادات النقابية والعمالية، وغيرها الكثير ممن يندرج عليهم وصف المجتمع المدني.

المقوِّم الثاني والفاعل في تحقيق الاستقرار الداخلي الذي على أساسه تفوّقت السياسة الخارجية العمانية، هو عنصرا الأمن والأمان، وما تحقق من استقرار ورخاء عمّ ربوع بلادنا الغالية، فأينما نولي وجهنا شطر أي وجهة في عماننا الغالية، فالأمان السمة العامة، بفضل ما تحقق من أمن واستقرار. وهنا نؤكد الدور البارز والرائد للمؤسسات الأمنية والعسكرية، التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الحفاظ على ما تحقق للوطن من منجزات، فاستحقت عن جدارة وصف الحامي العتيد والسياج المنيع للوطن ومكتسبات النهضة المباركة.

وتلك المكتسبات التي هي ثمرة النهضة اليانعة، تعد المقوِّم الثالث للاستقرار الداخلي، فلا وجهة للمقارنة بين عام 1970 وما تحقق بعد هذا العام من منجزات، إذ كانت التنمية تتسارع خطاها على نحو غير مسبوق، فشُقت الطرق وأقيمت الجسور، وتوسع العمران، وامتدت خطوط الخدمات من كهرباء ومياه واتصالات إلى شتى أنحاء الوطن، فنعِم المواطن بالتنمية واستطاع أن يقطف ثمارها واحدة تلو الأخرى حتى اليوم.

إذن نحن أمام مجموعة من المقوِّمات الداخلية التي مكّنت الدولة العمانية من بناء سياسة خارجية قائمة على ثوابت وطنية، وكانت التنمية المتحققة على أرض الوطن العنصر الأشد فاعلية والأول في هذا البناء الشامخ، ومثلت أيضا المنطلق نحو سياسات خارجية رصينة، قائمة على السلام والوئام والتعايش.

والقول إنّ السلطان قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- هو رسول السلام وسلطان الحكمة في المنطقة والعالم ليس مبالغة أو توصيفا إنشائيا، بل هي حقيقة راسخة ونموذج حي شهدت على صدقه جميع الأمم والشعوب المؤمنة بالسلام، والمُحبة للتعايش والوئام. وهذا ما تجسّد قبل يوم واحد في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لتأبين جلالة السلطان الراحل- رحمه الله؛ وهي الجلسة التي شهدت حضورًا خاصا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء الوفود الأعضاء في الجمعية العامة. وقد برز حجم الاحتفاء بسيرة السلطان الراحل في الكلمات المؤثرة التي ألقيت خلال الجلسة التأبينية، وتأكيد الحضور على المكانة الرفيعة التي رسخها جلالته لعمان في العالم بفضل نهج السلام والوئام. فعندما نجد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يقول: "سنتذكّر جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيّب الله ثراه- كصانع للسلام وملتزم بقيم إنشاء هذه المنظمة"، فهذا عرفان دولي واضح على ما أرساه السلطان الراحل من سياسات داعمة لتوجّهات المنظمة الدولية. وكذلك الحال في الكلمة التي ألقاها معالي الأمين العام للأمم المتحدة ووصف فيها جلالة السلطان الراحل- طيّب الله ثراه- بأنّه "رسول سلام وتفاهم وتعايش"، وأيضا الإشادة بما تحقق من نهضة شاملة في كافة المجالات التنموية بالسلطنة. كل ذلك يدفع كل مواطن ومواطنة إلى الشعور بالفخر والامتنان العظيم لقائد حكيم قادنا نحو مصاف الدول المتقدمة، وجعل المواطن شريكا حقيقيا في مسيرة التنمية والرخاء، فحصدنا جميعا ثمارها.

وخلال تلك الجلسة التاريخية التي احتضنتها أروقة الأمم المتحدة، تحدّث ممثلون عن عدد من الدول والمجموعات الإقليمية وكلّهم أشادوا بما حققه جلالة السلطان الراحل من منجزات تنمويّة شاملة، وما أرساه- طيّب الله ثراه- من دبلوماسية السلام والوئام والتعايش بين دول العالم.

انعكاس آخر لمناقب السلطان الراحل- رحمه الله- تجلى أيضا في ما نشرته الصحافة العالمية من تقارير ومقالات حول السلطان قابوس، وما أنجزه لبلادنا خلال خمسين عاما من النهضة المباركة، فاحتلت عمان واسم السلطان قابوس العناوين الرئيسة لكبريات الصحف والمجلات الدولية المرموقة، فمن نيويورك تايمز وواشنطن بوست وتايمز، مرورا بفيننشال تايمز وإيكونومسيت وديلي ميل، وأيضا فورين بوليسي وإندبندنت وجارديان، وغيرها الكثير من الصحف العالمية، كان اسم عمان وسلطانها الراحل موضوعا رئيسيا. واحتفت هذه المقالات والتقارير بسيرة السلطان الراحل وعددت منجزاته، خاصة المرتبطة بصناعة السلام والاستقرار في العالم، وكشف عدد من الكتاب في تلك المقالات عن مواقف ومحادثات ولقاءات أجراها جلالته مع كبرى الشخصيات العالمية، توضح بجلاء مدى الرؤية الثاقبة التي كان يتمتع بها جلالته- رحمه الله- وحكمته السديدة التي كان يقدمها لكبار المسؤولين حول العالم، فضلا عن شخصيته الكاريزماتية المؤثرة في نفوس كل من التقاه، وكانت أوصاف "الهيبة والتواضع" و"الحكمة والرصانة" و"الوقار والاحترام" لصيقة بكل كلمة وجملة كُتبت عن جلالته- طيّب الله ثراه- في العديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية.

وختاما.. إنّ مكانة عمان بين الأمم ارتقت وعلت خلال العهد الزاهر لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيّب الله ثراه- وترسّخت تلك المكانة بفضل ما أرسته الحكمة السامية من ثوابت وطنية عكست الهويّة العمانية الأصيلة، وأثبتت صحة النهج القابوسي القويم، ولا شك مطلقا أنّ تلك المسيرة الحافلة سيواصل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- السير على خطاها، ومواصلة العطاء السلطاني، فجلالته- أيّده الله- خير خلف لخير سلف، وإنّ مقامه السامي الرفيع لقادر على استمرار البذل لأجل عمان السلام ونهضتها وتميّزها.