الأوبرا و16 كرسيًا علميًا ومعرض مسقط للكتاب ومتاحف تحتضن التاريخ

التراث والثقافة.. مسيرة حضارية حافلة سطرتها النهضة المباركة في عهد السلطان قابوس

 

الرؤية – محمد قنات

لطالما لعبت الثقافة العمانية التي أرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى، جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- دورًا محوريًا في بناء النهضة، خاصة وأن السلطنة تزخر بتراث حضاري وتاريخي عريق وبثقافة متأصلة وموروثات أصلية تعكس مدى ارتباط العماني ببيئته ومجتمعه.

ويتضح ذلك في الأزياء العُمانية والفنون التقليدية والعادات والتقاليد التي يعتز بها العمانيون، إضافة إلى بعض المناشط والفعاليات التراثية مثل سباقات الهجن والخيل، كما تتميز عُمان بمواقعها الأثرية وقلاعها، فكانت رؤيته -طيب الله ثراه-، أن تكون الثقافة بمختلف دروبها ضمن العوامل الأساسية لمكون الهوية الوطنية العُمانية.

 ومن ضمن أقوال السلطان قابوس، طيب الله ثراه عام 2005م بمناسبة مرور 60 عامًا على إنشاء منظمة اليونسكو:"نولي تراثنا الثقافي بمختلف أشكاله ومضامينه: المادية وغير المادية- أهمية خاصة، ونُعنى به عناية متميزة؛ لما له من أهمية ودور ملموس في النهوض بالحياة الفكرية والفنية والإبداع والابتكار..." .

وأنشئ السلطان قابوس -طيب الله ثراه- في خطوة هامة تعزيز وتوحد جهود المحافظة على التراث العماني وزارة خاصة للتراث والثقافة، ويأتي ذلك إدراكًا بقيمة الإسهام العماني في الحضارة الإنسانية والتراث ودوره في الحفاظ على الشخصية والهوية العُمانية كركيزة من ركائز بناء الدولة العصرية وتماشيًا مع النَّهضة المُباركة.

وأولى جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه-، اهتماماً كبيراً باللغة العربية، وتجلَّى ذلك في تأسيس كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، تقديراً لمكانة اللغة العربية والأدوار الحضارية التي تلعبها هذا إلى جانب خطوات كثيرة كان يوليها اهتمام من بينها، إنشاء الكراسي العلمية في العديد من الصروح التعليمية، وذلك من أجل دراسة اللغة العربية وتطويرها، من بين هذه الخطوات إنشاء كرسي السلطان قابوس لدراسة اللغة العربية في يوليو 2007م، والذي تحتضنه جامعة بكين في جمهورية الصين الشعبية، وكرسي السلطان قابوس للدراسات العربية المعاصرة في جامعة كامبريدج البريطانية الذي أنشئ عام 2005م، وهذه الكراسي تُساهم بالقدر الكبير في تطوير اللغة العربية، وتعزيز العلاقات التاريخية والثقافية التي تربط السلطنة بالشعوب الناطقة باللغة العربية.

 ومن النطق السامي لجلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه في 12 أكتوبر من العام 2011م في افتتاح دار الأوبرا السلطانية:"لقد قامت عُمان عبر تاريخها الطويل بأدوار مشهودة في مُختلف الميادين: الثقافية، والحضارية، وقد آن الآوان لتتويج هذه المسيرة الحضارية الحافلة بالأخذ بمفاهيم الثقافة العالمية والمساهمة الفعالة في تنميتها".

وتعتبر دار الأوبرا السلطانية، أول دار أوبرا في الخليج العربي، وافتتحت في العام 2011م بأمر من السلطان قابوس، وهي من أبرز وأشهر المعالم السياحية في مدينة مسقط، تتميز ببناء رائع، وتستضيف الكثير من الفعاليات الثقافية والموسيقية والمسرحية والاجتماعات الهامة والمؤتمرات والملتقيات والندوات.

وتُعد دار الأوبرا السلطانية رائدة في مجال استخدام تقنيات وتكنولوجيا عرض الوسائط المتعددة عن طريق شاشات ذكية، كما تُستخدم في القاعة أحدث وأهم تقنيات الصوت والإضاءة والمؤثرات، ويمكن القول بأن الدار تحفة فنية معمارية تعكس حضارة السلطنة العُمانية وثقافة وإرث شعبها.

وعمل جلالة السلطان قابوس، طيب الله ثراه، على تكوين العديد من المؤسسات الثقافية التي أصبح لها دور فعَّال في تنمية المجتمع، ومن بينها، مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية إلى جانب مؤسسات رسمية أخرى كديوان البلاط السلطاني، ووزارة شؤون الفنون التي أنشئت حديثاً ومركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، وغيرها من المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني المعنية بهذا الجانب.

وأصدر جلالته طيب الله ثراه في 27/2/2011م المرسوم السُّلطاني السامي رقم (18/2011) الذي قضى بإنشاء جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب وهذه الخطوة تعتبر تأكيداً على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي.

ونالت المواقع الأثرية حظها من الاهتمام السامي، من أجل بناء علاقات ثقافية مع جميع الدول، كما أنَّ هذا الأمر انعكس على المتاحف، باعتبارها نوافذ ثقافية تاريخية، ومن حق المجتمع أن يتوارث هذا التاريخ العريق، ويعتبر المتحف الوطني هو الصرح الثقافي الأبرز في السلطنة، ويختص بمكنونات التراث الثقافي، منذ ظهور الأثر البشري في شبه الجزيرة العربية قبل نحو المليوني عام.

ويُعد معرض مسقط الدولي للكتاب أكبر احتفالية ثقافية على مستوى السلطنة، ويحظى باهتمام كبير على المستويين الخليجي والعربي، باعتباره واحدًا من أبرز معارض الكتاب الدولية، ويحمل امتيازًا دوليًا كما أنه من المعارض الرافدة لتدوير عملية النشر عالميًا، ويجد إقبالا واهتماما كبيرين من قبل الزوار من داخل وخارج السلطنة.

ويلعب مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم دوراً كبيراً في إثراء الحراك الثقافي والأدبي والفني الذي تشهده السلطنة، فيعمل على التعريف بالثقافة العُمانية، وتوثيق الروابط وأوجه التعاون مع المؤسسات الثقافية في الدول الأخرى، ويقوم بدور في المساجد ومعاهد العلوم الإسلامية ومدارس القرآن الكريم، بجانب مسؤوليته عن مجمع السلطان قابوس للثقافة والترفيه بصلالة، ومركز عُمان للموسيقى التقليدية، وكلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، ومسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم.

 

ويتولى المركز مهمة الإشراف على كراسي السلطان قابوس العلمية، حيث تم إنشاء 16 كرسيًا وأستاذية وزمالة تحمل اسم المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه، تتوزع في (13) جامعة عالمية تتنوع مجالاتها بين العلوم الإنسانية والتطبيقية.

ومن أبرز المهام المنوطة بهذه الكراسي القيام بإجراء دراسات وبحوث مختلفة حسب مجالاتها المتعددة، والإشراف على طلبة الدراسات العُليا ماجستير ودكتوراه في المجالات المتخصصة فيها، إضافة إلى عقد الندوات والمؤتمرات وحلقات العمل العلمية.

وتجسد كلية السُّلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أداة فاعلة في تعزيز التواصل بين السلطنة والشعوب الناطقة بغير العربية وتسهم في توثيق الروابط وتقوية الأواصر بين ثقافاتها المتنوعة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك