في وداع أعز الرجال

 

أحمد ناصر الفارسي

ودَّع الوطن العزيز، فجر السبت الحزين، أعز الرجال وأنقاهم، الوالد القائد الكبير مؤسس النهضة العمانية الحديثة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- بعد أن بنى دولة عصرية يشهد لها القاصي والداني، ووحد القلوب قبل الأرض، وجمع كلمة أبنائها على البر والتقوى.

ولاشك، فإنَّ القلم ليعجز عن وصف وتعداد مناقب سلطان القلوب -رحمه الله- الذي أسَّس النهضة العمانية الحديثة، واستمر في النِّضال الوطني وبناء الدولة قرابة خمسين عاما، بدأها بجمع شتات الدولة، ونشر الأمن في جميع أرجائه من أعلى مسندم شمالا، إلى أقصى ظفار جنوبا، وتوحيد الصفوف والكلمة خلف قيادته، بعد أن كان المجتمع العماني يتخبط في ظلمات الجهل والمرض، والتخلف والعزلة.

مهما قُلنا وكتبنا، فإنَّ الحروف والكلمات لتقف عاجزة عن منح القائد العظيم -رحمه الله- ما يستحقه من إجلال وإكرام، وما يستحقه منا من رثاء وتأبين، ولكنَّ عزاءنا في سيرته العطرة بيننا، وما خلده فينا من مآثر جليلة، وقدوات حسنة تتبع، وأنه سيخلده التاريخ قائدا ملهما مصلحا، وأبا رحيما حانيا.

ويظل عزاؤنا الأكبر بعد الله، بعد وفاته -طيب الله ثراه- هو في وصيته الخالدة فينا؛عندما اختار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليكون خيرَ خلف لخير سلف، وهو القوي الأمين الذي تقلد مناصب عليا في مؤسسات الدولة المحتلفة، داخليا وخارجيا، ونهل من الفكر القابوسي المستنير بالحكمة والإيمان؛ ولعل الحكمة والاتزان ورباطة الجأش؛ والصبر والاحتساب وفصل الخطاب؛ التي ظهر بها جلالته -أيده الله- بعيد تنصيبه سلطانا على عمان؛ وذلك على مرأى ومسمع شعوب العالم قاطبة؛ لهو أوضح دليل على ذلك، رغم عظم المصيبة، وهول الموقف.

واليوم، إذ يغيب عنا مصلح العرش؛ وباني نهضتنا الحديثة، والذي أحببناه جميعا كأب وقائد، والذي التف الجميع حوله؛ وساروا في رحاب موكبه الخالد الميمون، في رحلة كان هو الأب والمعلم والقدوة؛ الذي تعلمنا منه دروس الوطنية والإخلاص؛ وكيف تبنى الأوطان، وكم كان يشعل فينا الحماس كبارا وصغارا، نحو تحقيق طموحاتنا؛ وبناء وطننا بكل قوة وعزيمة متوقدة؛ مبشرا بأنَّ عُمان ستعود متحدة قوية كما كانت عبر العصور؛ فإذا بموته -يرحمه الله- يوقد فينا من جديد -كما لو أنه بيننا- الحماس للفداء والبناء؛ ومواصلة ما أراد لعمان وأهلها من عزة ورفعة؛ متمثلة بوصيته الخالدة التي يقول فيها: "معتصمين تحت قيادة السلطان هيثم بن طارق بوحدة الصف، والكلمة، والهدف، والمصير، متجنبين كل أسباب الشقاق، والفرقة، والتنديد والتناحر".

ومع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- تدخل بلادنا العزيزة؛ مرحلة عهد جديد ميمون بإذن الله، فالسلطان هيثم بن طارق -أعزه الله- بتاريخه، وثقافته، وإنجازاته، والدور الكبير الذي قام به لخدمة وطنه وشعبه، وما يتميز به من محبة بين مواطنيه، لهو خير من يكمل المسيرة العمانية نحو مزيد من العزة والرفعة، لا سيما أنه وصية الأب القائد -يرحمه الله- الذي يتقاسم معه الكثير من الصفات؛ مثل: الحكمة، والاتزان، ومهارات الحكم، والتعامل مع المستجدات بنظرة فاحصة، ونظرة ثاقبة سديدة، والحنو على أفراد شعبه.

فنسأل الله -جلت قدرته- أن يوفق السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- لما فيه خير هذا الوطن الغالي، وشعبه العزيز.

رحم الله باني نهضتنا الحديثة، والذي بنى دولة المؤسسات والقانون؛ والذي بنى قبل كل شيء هذا الإنسان العماني ذي الفكر السليم، وجزاه الله عنا خير الجزاء، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

تعليق عبر الفيس بوك